المقالات

المال والبنون .. زينة تمتحن بها النفوس وتوزن بها القلوب

في رحاب القرآن الكريم وضياء يوم الجمعة يجد العباد سلوتهم وطمأنينتهم إذ يتلون آيات الله ويتدبرون حكمه ويستحضرون أن السعادة الحقيقية ليست في زخارف الدنيا بل في العمل بما جاء في هذا الذكر الحكيم. فالسعيد من تدبر وأيقن ثم عمل بما أُمر فكان القرآن له نوراً في الدنيا ونجاةً في الآخرة.

قال الله تعالى:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾

آية تختصر فلسفة الوجود:
فـ المال الذي يسعى وراءه البشر والأبناء الذين تزهر بهم القلوب كلاهما زينة .. لكن الزينة لا تدوم وهي امتحان خفي: أين تكتسب؟ وأين تنفق؟ وهل تثمر براً أم تنبت وبالاً؟

كسب المال .. عبودية قبل أن يكون تجارة

المال في ميزان الشريعة ليس رصيداً يحصى ولا خزائن تغلق بل هو أمانة ومسؤولية.
والسؤال الذي سيطرح يوم القيامة لن يكون: كم جمعت؟ بل: من أين جمعت؟ وفيم أنفقت؟

وقد قال النبي ﷺ:
«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ … عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»

فالكسب بالحلال عبادة لا تقل شأنًا عن الصلاة والصيام .. فـ كل درهم حلال تطعم به أهلك صدقة وكل درهم حرام تورده بيتك شؤم يقتات على البركة ويمحقها.

المال الحلال .. غرس ينبت به الصلاح

حين نحرص أن لا يدخل جيوبنا إلا طيب حلال فإننا لا نصون أنفسنا فقط .. بل نزرع في أبنائنا طهارة الأصل ونقاء الجذور.
قال ﷺ:
«أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به»

تحذير يهز القلوب .. فالمال الحرام لا يثمر إلا فساداً ولا ينبت منه إلا ما يغضب الله.

حقوق الله وحقوق العباد .. مفاتيح البركة

المال أمانة فيها حق لله: من زكاة صدقات نذور وكفارات.
وفيه حقّ للناس: من رد المظالم وإعطاء الأجير أجره وأداء الديون بلا مماطلة.

ومن أدى هذه الحقوق أظله الله بالبركة ومن بخل أو جار نزعت البركة من ماله ولو بلغ عنان السماء.

بين المال والبنين .. طريق إلى جنّة أو هاوية

المال ليس غاية بل وسيلة لعبور الطريق بأمان: فإن كان من حلال وأنفق في حلال أثمر أبناء صالحين وزاداً للأبد وإن كان من حرام أورث وبالاً وندامة.

اللهم أرزقنا مالاً طيباً حلالاً وبارك لنا فيه واصرف عنا الحرام وموارده وانبت أبناءنا نباتاً صالحاً مباركا وأحفظنا والمسلمين أجمعين وباعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى