حكى لي أحد الأصدقاء انه ارسل قبل أيام رسالةً في أحد القروبات التي حكى ينتمي إليها وكتب فيها على سبيل الممازحة لا الجدية بأنه يرغب في بيع لوحة إحدى سياراته ذات الأرقام و الأحرف المميزة واضعاً لها سعراً يقارب الثلاثين ألف ريال ! فتفاجأ بعد ذلك بردة فعل لم يكن يتوقعها من بعض أعضاء القروب الذين بدأوا في مساومته على الخاص حول سعر تلك اللوحة المزعومة ، والتي لا وجود لها على أرض الواقع ، فأدركت بعد كلامه أننا نعيش في عالمٍ يتسارع فيه كل شيء، وتتضخم فيه أرقامٌ كانت تبدو قبل سنوات لا يصدقها عقل، ولا يبررها منطق.
فهاهم شباب في مقتبل العمر ينجرفون خلف ثقافة الاستعراض، وأسر تُربي أبناءها على أن الرقم المميز أهم من القيمة الحقيقية للفرد في مجتمعه والمضحك المبكي في هذا الأمر أن هذه اللوحات، بمجرد أن تُشترى، لا تفعل شيئاً سوى أن تجلس على السيارة، تُخبر العالم أنك دفعت فيها مبلغاً خرافياً. فهي لا تزيد من سرعة السيارة، ولا تُقلل من استهلاك الوقود، ولا تضيف لك أي قيمة عند الناس . بل أنها مجرد أرقام، تُصبح قصة ترويها لأصدقائك في المجالس ، وبعد أن تُنهي قصتك، ينظرون إليك بنصف عين وهم يرددون في دواخلهم ذلك المثل المصري الشهير : “اللي معاه قرش ومحيرة يشتري حمام ويطيره !
وعطفاً على ما حكاه لي صديقي فإن تجاوز أسعار لوحات السيارات في المزادات لملايين الريالات، وتسجيلها أرقاماً فلكية لا يصدقها عقل، يضعنا أمام ظاهرة تحمل انعكاسات اجتماعية ونفسية واقتصادية خطيرة وتجعلنا نتساءل ما الذي يدفع شخصاً لشراء لوحة سيارة بأكثر مما يملك بعض الناس في رصيد أعمارهم؟ أهو السعي وراء الفخامة؟ أم مرض المقارنة؟ أم خلل ثقافي يجعل من التفرد المظهري غاية تُبرر الجنون المالي؟ ام أن النفوذ والجاه والرجولة اصبحت في هذا الزمان تُقاس بنوع السيارة ورقم لوحتها، لا بالعقل و العطاء ولا بالمنجزات التي حققها الشاب في مجتمعه !
وخلاصة القول: فإن ما يحدث في مزادات لوحات السيارات ليس دليلاً على الرفاهية والتحضر ، بل هو دلالة على جنون وسباق اجتماعيي خلف الوهم، المقنَّع بالترف.سباقاً تُحرق فيه الأموال لتُرضى الأنا، وتُشتَرى فيه الأرقام وتُباع فيه العقول. و انعكاسًا صارخًا لخللٍ في منظومة القيم، وكل ذلك يحدث حين تتحوّل الأرقام إلى رموز للهيبة، وتُصبح العقول أسيرة للواجهة والمظهر. فكلما ارتفع سعر اللوحة، انخفض سقف الوعي ، مع العلم أن المنافسة الحقيقية هي الحصول على الأرقام الذهبية في المجالات العلمية أو العملية أو في مضمار الحياة العامة..وقد آن الأوان أن ندرك أن الرقي لا يُقاس بالأرقام على لوحات معدنية، بل بالقيم التي نحملها، وبما نُضيفه للحياة من معنى لا من مظهر .
وخزة قلم :
عندما يُصبح الرقم أغلى من السيارة نفسها، فإن هذا انحدار في سلم الأولويات، وضياع في المفاهيم






