المقالات

منتدى الاستثمار السعودي – السوري: مرحلة جديدة من الشراكة في ظل توجهات سمو ولي العهد ورؤية الانفتاح العربي

بتوجيه كريم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، نظّمت وزارة الاستثمار السعودية منتدى الاستثمار السعودي – السوري في العاصمة دمشق، برئاسة معالي وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، في خطوة تعبّر عن تحوّل نوعي في مسار العلاقات السعودية – السورية، وتنسجم مع نهج المملكة الداعم لتكامل عربي حقيقي قائم على التنمية والشراكة.

يُعد هذا المنتدى محطة مفصلية في سياق إعادة تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق، ويعكس التوجه الاستراتيجي للمملكة القائم على جعل الاقتصاد أداةً فاعلة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في الدول التي عانت من اضطرابات طويلة. وتُجسّد هذه المبادرة بُعدًا أعمق في الرؤية السعودية، التي ترى في الاستثمار أداة لبناء السلام وترسيخ الاستقرار، وتؤمن بأن تعزيز الروابط الاقتصادية بين الدول العربية يُعدّ مفتاحًا لإعادة بناء النسيج العربي المشترك.

وقد جاء انعقاد المنتدى متوازيًا مع مسار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ويعكس رغبة خليجية وعربية عامة، وسعودية خاصة، في مدّ جسور التعاون من بوابة الاقتصاد والتنمية، بدلًا من العزلة والانكفاء. وتؤكد المملكة من خلال هذه الخطوة أنها تسعى إلى لعب دور ريادي في مرحلة التعافي السياسي والاقتصادي في سوريا، انطلاقًا من إدراكها أن استقرار سوريا هو جزء لا يتجزأ من أمن المشرق العربي والخليج.

وعلى الصعيد العملي، مثّل المنتدى منصة رئيسية لاستعراض الفرص الاستثمارية في سوريا، خاصة في مجالات إعادة الإعمار، والبنية التحتية، والصناعة، والطاقة، والزراعة، والخدمات. كما تم استعراض التحديات القانونية والتشريعية، والتأكيد على أهمية وضع أطر واضحة لحماية الاستثمارات، وتهيئة بيئة مستقرة وجاذبة لرؤوس الأموال.

وفي خطوة تعكس الالتزام الجاد بتحقيق نتائج ملموسة، شهد المنتدى الإعلان عن عدد من المشاريع الاستثمارية النوعية، من أبرزها وضع حجر الأساس لمصنع الفيحاء، الذي يمثل شراكة صناعية استراتيجية من المتوقع أن يساهم في دعم المحتوى المحلي ونقل الخبرات السعودية إلى السوق السورية، بالإضافة إلى تدشين مشروع “برج الجوهرة” في وسط دمشق، الذي يُعد من أكبر المشاريع العقارية في سوريا بتكلفة تجاوزت 375 مليون ريال، ويمثل نموذجًا متكاملًا للتنمية الحضرية الحديثة.

كما دُشّن أول مصنع للأسمنت الأبيض في ريف دمشق باستثمار سعودي بلغ 100 مليون ريال، ما يؤكد التوجه الجاد نحو توسيع القاعدة الصناعية في سوريا وتعزيز التكامل في سلاسل الإنتاج بين البلدين.

وأعلنت وزارة الاستثمار السعودية أنها ستعمل مع الجهات السورية المعنية لتذليل العقبات أمام المستثمرين، وتوفير المناخ المناسب لانطلاق مشاريع تنموية طويلة الأمد، في ظل ما أفرزته سنوات الحرب من تحديات بنيوية واقتصادية. وقد شهد المنتدى توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 24 مليار ريال سعودي (ما يعادل 6.4 مليار دولار)، في مؤشر واضح على حجم الثقة والتوجه الجاد نحو بناء علاقات اقتصادية راسخة.

وفي هذا الإطار، أعلن معالي وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجّه بتأسيس مجلس أعمال سعودي – سوري مشترك، ليكون منصة دائمة لتنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص في البلدين، بما يضمن استمرارية التعاون، ومتابعة المشاريع، واستكشاف فرص جديدة تعود بالنفع على الشعبين.

وفي كلمته خلال افتتاح المنتدى، أشار معالي وزير الصناعة السوري الدكتور نضال الشعار إلى أهمية هذه الزيارة، مؤكدًا أن العلاقات الأخوية والتاريخ المشترك بين سوريا والسعودية يمثلان قاعدة متينة لانطلاقة جديدة نحو شراكة استراتيجية فعالة، تُسهم في تحقيق التنمية الشاملة، وتُعزز فرص التكامل العربي.

وقد شارك في المنتدى عدد من الوزراء السوريين، وكبار المسؤولين، ورجال الأعمال من الجانبين، كما حضر المنتدى الرئيس السوري أحمد الشرع، في مشهد يعكس الانفتاح السوري على المرحلة الجديدة من الشراكة، واستعداد دمشق للانخراط في مشاريع تنموية حقيقية بدعم من المملكة.

يمثّل المنتدى انعكاسًا مباشرًا لأهداف رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تنويع الشراكات الإقليمية والدولية، وتوسيع الاستثمارات الخارجية، وتعزيز حضور القطاع الخاص السعودي في مختلف الأسواق الواعدة. كما يعكس المنتدى إيمان القيادة السعودية بأن التنمية يمكن أن تكون مدخلًا حقيقيًا لتسوية النزاعات، ووسيلة فعالة لإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس من الإنتاج والاستقرار.

ختامًا، لم يكن منتدى الاستثمار السعودي – السوري مجرد مناسبة اقتصادية، بل كان تجسيدًا لرؤية سياسية واقتصادية متكاملة، تؤمن بأن لغة الاستثمار والتكامل الاقتصادي هي الوسيلة الأجدى لإعادة بناء الثقة، واستعادة اللحمة العربية، وتثبيت قواعد الاستقرار في المنطقة. ومن هنا، تبرز المملكة العربية السعودية، بقيادة سمو ولي العهد، كقوة دافعة نحو مرحلة جديدة من الانفتاح، يكون فيها الاقتصاد أحد أبرز أدوات الدبلوماسية، والتنمية عنوانًا للتقارب العربي.

حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين.

أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة

د. محمد بن سليمان الأنصاري

أستاذ القانون الدولي - جامعة جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى