المقالات

مقاومة التغيير.. صراع مع الزمن أم هروب من الحقيقة؟

في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، لا تزال هناك فئة من الناس تُصر على التمسك بالراكد، وترفض التغيير، وكأنهم يظنون أن الثبات في عالم متغير هو سبيل النجاة. لكن الحقيقة أن “دوام الحال من المحال”، وأن مقاومة التغيير ليست إلا تأجيلًا للألم، وتأخيرًا في الاندماج مع الحياة كما هي، لا كما نتمنى. من البديهي أن الحياة لا تعرف السكون. كل شيء من حولنا في حالة نمو أو تحول أو تراجع. الطفل لا يبقى رضيعًا، والنهار لا يطول دون أن يليه ليل، والشتاء لا يستمر دون أن تتفتح أزهار الربيع. يقول الله تعالى في محكم كتابه:
“وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” [آل عمران: 140].

فإذا كانت طبيعة الحياة قائمة على التبدل، فكيف لبعض البشر أن يطلبوا الجمود؟!
بحسب دراسة صادرة عن جامعة هارفارد للأعمال، فإن 70% من مشاريع التغيير في المؤسسات تفشل، ليس بسبب ضعف الفكرة، بل بسبب مقاومة العاملين للتغيير وعدم استعدادهم النفسي له. وفي تقرير لـMcKinsey & Company، أشير إلى أن المؤسسات التي تنجح في إشراك الأفراد في عملية التغيير ترتفع احتمالات نجاحها بنسبة تصل إلى 79%. كما أكدت دراسة نُشرت في Journal of Organizational Behavior أن التغيير التنظيمي يتطلب تهيئة ثقافية ومجتمعية وتدريبًا طويل المدى، لأن مقاومة الأفراد للتغيير غالبًا ما تنبع من الخوف، وليس من المنطق.
السبب الجوهري في مقاومة التغيير يكمن في الخوف من المجهول. الإنسان بطبعه يميل إلى الأمان، ويجد في الروتين والاعتياد نوعًا من الطمأنينة، حتى وإن كان غير راضٍ عنها. ولكن كما قال تشارلز داروين:

> “ليست الأقوى هي التي تبقى، ولا الأذكى، بل تلك التي تتأقلم مع التغيير.”

إن التغيير لا يعني الفوضى، بل هو عملية منظمة، تقودها الرؤى والاستراتيجيات، وتستهدف إحداث توازن بين الطموح والواقع، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.
خذ على سبيل المثال ما قامت به المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030؛ من تغييرات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، كان من الطبيعي أن تواجه شيئًا من التحفظ في بدايتها، لكن النتائج التي تحققت على أرض الواقع – من تمكين المرأة، وانفتاح اقتصادي، وتحول رقمي، وفتح فرص وظيفية – أثبتت أن التغيير المُخطط هو أساس التنمية.
ووفق تقرير البنك الدولي لعام 2024، فإن المملكة تقدمت 15 مركزًا في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، بفضل تبنيها استراتيجيات تغيير مرنة ومدروسة.
طبعا ، لا تأتي الأمور وفق أهواء الأفراد، بل وفق متطلبات المصلحة العامة والخطط الكبرى. والذكي هو من يتكيف ويتأقلم، لا من يركن ويتذمر. فالذي يرفض النمو، يختار الضمور. والذي يعاند الزمن، يذبل في صراعه.
فالحياة كما هو معروف مراحل، كما أن الإنسان مراحل: رضيع، فطفل، فصبي، فشاب، فكهل. وكذلك الدول، والأنظمة، والمؤسسات. من لا يتغير، يتقادم. ومن لا يواكب، يتوارى.
في النهاية، علينا أن ندرك أن رفض التغيير لا يوقفه، بل يؤخرنا عن الركب. فالتغيير قادم لا محالة، والتكيف معه هو الطريق إلى المستقبل، بينما مقاومته ليست سوى رحلة إلى الخلف. لا تكن ذلك الشخص الذي يسبح ضد التيار ليصل إلى لا شيء. بل كن من يصنع التغيير، أو على الأقل، من يتفاعل معه بإيجابية.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على د. إيمان مسعود الشهراني إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى