مع الانتشار الواسع والشاسع للهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، صار الإنسان يقضي ساعاتٍ طويلة يوميًا متصلاً بعالمٍ رقميٍّ مرئيٍّ أو مكتوب. فهذه الوسائل جلبت فوائد عديدة، لكن الأبحاث تشير إلى أن هناك تأثيرات سلبية جدّية على العلاقات الأسرية والخاصة بين الأقارب. والإحصائيات والدراسات وذلك على النحو التالي:
1. نسبة استخدام الهواتف والإنترنت في السعودية
حسب مسح نفاذ واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات للأسر والأفراد 2019 الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية: حوالي 99.3٪ من الأسر تمتلك هواتف متنقلة، و97٪ من الأفراد (فوق سن 15) يستخدمونها.
كذلك، نفاذ الإنترنت للأسر يقارب 93٪ في السعودية تقريبًا.
فهذه النسب تدل على أن الاتصال الرقمي صار من عناصر الحياة اليومية في معظم الأسر، مما يطرح السؤال التالي: ما مقدار تأثيره الإيجابي أو السلبي على العلاقات المنزلية؟
2. دراسة “تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التماسك الأسري — بمكة المكرمة”
اجريت على عيّنة من الأسر السعودية في جمعية المودة بمنطقة مكة المكرمة.
والنتائج: 65.3٪ من أفراد العينة وافقوا إلى حد ما على أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على العلاقات والأدوار الأسرية.
و نسبة 60.4٪ منهم يرون أن لهذه الوسائل تأثيرًا على المشكلات والخلافات الأسرية.
ونسبة كبيرة جدًا 80.2٪ تؤمن بأن الأسرة السعودية لها دور في الحد من التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، و 85٪ يرون أن هناك معوقات أمام استخدام الأسرة موجهاً ومستفيدًا من هذه الوسائل.
3. دراسة من المملكة — “العلاقات الأسرية في منطقة جازان”
هدفت للتعرف على الآثار المترتبة على وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظر أولياء أمور الطلاب. من دون الأرقام التفصيلية في الملخص، تشير الدراسة إلى أن أولياء الأمور يرون تأثيرًا ملحوظًا على جودة التواصل الأسري — من حيث قلة اللقاء، ضعف الحوار، وانشغال الأولاد بالهواتف أو وسائل التواصل بدلاً من التفاعل الحيّ مع أفراد الأسرة.
4. دراسة “أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية في المجتمعات العربية” (2025)
أعدتها د. موزة عيسى الدوي، تهدف للدراسة الاجتماعية التحليلية للأدبيات فيما يخص الأسرة العربية عمومًا.
تضمنت الدراسة تحديد الآثار الإيجابية والسلبية، وتبيان حلول عملية للحفاظ على تماسك الأسرة في ظل الاستخدام المرتفع للوسائل الرقمية.
5. دراسة اليمنية في تعز
عينة من 265 أسرة في محافظة تعز. النتائج تشير إلى أن الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي مرتفع، غالبًا لأكثر من ثلاث ساعات يوميًا. وُجد أن 61.8٪ من الأسر يرى أن التأثير العام لوسائل التواصل على العلاقات الأسرية يميل إلى السلبي بدرجة تتجاوز التأثيرات الإيجابية.
فهذا يثير التساؤال التالي : كيف تُضعف هذه الوسائل التواصل بين الأقارب — تحليل ضمني من الأبحاث العربية
فمن خلال مراجعة الدراسات العربية نذكر بعض الآليات التي تُساهم في ضعف التواصل:
– الانشغال الرقمي داخل المنزل: الأطفال والمراهقون قد يقضون ساعات على الهاتف أو على الإنترنت بدل الحديث مع أفراد الأسرة، مما يقلل من اللقاءات الحيّة والحوار الأسري الحقيقي.
– التغيّر في أنماط التفاعل: كثير من الأمهات أو الآباء يشعرون أن الحديث اليومي أصبح مقتصرًا على الرسائل الصوتية أو النصية أو التعليقات عبر وسائل التواصل، دون صراحة أو عمق العاطفة أو التعاطف.
المقارنات الاجتماعية والحسد الافتراضي: بما أن الأشخاص يشاركون أفضل لحظاتهم فقط، فإن الأقارب الذين يرون هذه المشاركات قد يشعرون بنقص أو عدم رضى، مما يؤثر على المودة والتقارب النفسي.
قلّة الصبر والتسامح: في بعض الدراسات، ظهرت مؤشرات بأن الانفصال عن الأجهزة أو عدم استخدامها يسبب انزعاجًا لدى بعض الأفراد، مما يُشير إلى وجود اعتماد عاطفي أو حدّ من الإدمان.
وجود اختلافات بين الأجيال: الأجيال الأكبر قد لا تشارك ذات الطريقة في استخدام التطبيقات، وقد يرون أن الاهتمام الزائد بالهواتف هو نوع من التجاهل.
الخلافات الأسرية المتصلة بالاستخدام: وقت الاستخدام، المحتوى، من يستطيع الدخول إلى مجموعات، التعليقات، وغيرها من المسائل التي أصبحت مصدر نزاع.
أمثلة من المجتمع والثقافة العربية — تصريحات وتقارير إعلامية
تقرير استطلاعي من جمعية المودة (السعودية) تناول تأثير وسائل التواصل على الأسرة، أظهر أن هناك وعيًا بالمشكلة ويُرون أن استخدام الوسائل أصبح مؤثرًا.
خبر في Sky News Arabia أن حوالي 20٪ من الأزواج في بعض الحالات يرى أن العامل التكنولوجي كإدمان الإنترنت أحد الأسباب التي تؤدي إلى العزلة الأسرية وربما إلى الانفصال.
مقالة في “الإسلام ويب” تتحدث عن كيف أن بعض حالات التفكك أو المشكلات الزوجية تُعزى إلى استخدام غير مسؤول للتواصل الاجتماعي.
الخلاصة والتوصيات:
منصات التواصل الاجتماعي ليست السبب الوحيد لضعف التواصل بين الأقارب، لكنها أصبحت عاملًا مساهماً مهمًّا، خاصة في المجتمعات حيث قيم الأسرة والعلاقات الشخصية تُعدّ من الأسس الاجتماعية.
في البيئة العربية، توجد خصائص ثقافية تجعل هذا التأثير أشدّ: مثل التوقعات العالية للعلاقات الحميمية، التزاور، والزيارات الأسرية المنتظمّة، التي إذا تراجعت تُحدث فراغًا نفسياً لا يُعوّض بسهولة عبر الرسائل أو المكالمات الافتراضية.
الأثر غالبًا ما يكون مزدوجًا: هناك منافع — كالقدرة على البقاء على اتصال بين من يبعدهم البُعد الجغرافي، تبادل الصور والتحديثات، دعم معنوي عبر الرسائل للمناسبات — لكنها لا تُعوّض دائمًا عن الجلسات المشتركة، الحضور الشخصي، والمودة التي تُشعر بها الوجوه والأصوات الحقيقية.
توصيات لحماية التواصل بين الأقارب
يسرني فيما يلي بعض الحلول العملية التي يمكن تبنّيها:
1. جدولة أوقات عائلية خالية من الأجهزة
تحديد فترات، مثلاً بعد العشاء، يكون فيها الاجتماع العائلي بدون هواتف، للتحدث، اللعب، الترفيه المشترَك.
2. تعزيز قيم وأدوار الأسرة في التوجيه
الأباء والأمهات يمكن أن يعملوا على تعليم الأطفال أهمية التواصل الواقعي، وكيف أن التكنولوجيا وسيلة، ليست بديلاً عن العلاقات الحقيقية.
3. التوعية المجتمعية والدينية
والاستعانة بالعلماء والمختصين في الأسرة لنشر الوعي حول الآثار النفسية والاجتماعية لاستخدام مفرط للوسائل، وكيف يمكن للمجتمع (المساجد، المدارس، الجمعيات) أن يلعب دورًا في التثقيف.
4. الحد من وقت الاستخدام والتحكم فيه
وضع حدود – خصوصًا للمراهقين — لعدد الساعات التي يُمكِن قضاءها على وسائل التواصل يوميًّا، مع تشجيع الأنشطة البديلة: الزيارات، اللعب، الرياضة، القراءة.
5. إحياء العادات التي تجمع الأقارب
التزاور، مشاركة المناسبات، الندوات العائلية، الاحتفال بالعيد أو المناسبات الدينية معًا، وكل ما يُشعر بالترابط الجسدي والعاطفي.
6. استخدام وسائل التواصل بطريقة إيجابية
مثل استخدام مجموعات عائلية خاصة لتبادل الأخبار، الصور، تهنئة، تأكيد الحب، وليس فقط تصفح أو متابعة المحتوى العام. الاستفادة من المكالمات الصوتية أو الفيديو، لا الرسائل فقط.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود






