المقالات

بين الوصاية والانفلات

تعرف المجتمعات الناضجة كيف توازن بين حرية الفرد ومتطلبات الجماعة، ولأننا نزعم أننا مجتمع ناضج، فإننا نواجه تحديات على طرفي النقيض. فمن جهة، كنا نعاني فيما مضى، منذ سنوات، من فئة كانت تمارس الوصاية على الآخرين بحجة حماية القيم والعادات، وكانت تفرض رؤيتها كقالب واحد يجب أن يلتزم به الجميع، فتعترض -على سبيل المثال- على فعاليات ثقافية وترفيهية مرخَّصة، فقط لأنها لا تتوافق مع أذواقهم أو قناعاتهم، متجاهلين أن التنوع والتجديد جزء من حياة أي مجتمع متطور. هذه الوصاية، ربما كانت بنوايا حسنة، لكنها في الواقع قيّدت الإبداع، وحدّت من حرية التعبير، وزرعت الخوف من الاختلاف، وقسّمت المجتمع، وضيّقت على التصرفات الفردية رغم مشروعيتها.

ومن جهة أخرى، نعيش اليوم مع فئة تسيء فهم المرونة ورفض الوصاية ومنع التشدد والتطرف، فتمارس الانفلات بلا وعي ولا احترام للقوانين أو القيم الاجتماعية؛ مثل قيام بعض الفتيات بالمبالغة في لباسهن ومكياجهن وتصرفاتهن بطريقة تتعارض مع العادات والتقاليد، ناهيك عن ممارسات بعض الشباب في قيادة سياراتهم والتضييق على الناس وتعريضهم للخطر، معتبرين ذلك ممارسة لحرياتهم.

في الحقيقة، تلك الممارسات تثير الجدل وتسبب احتكاكات في المجتمع، وهذه السلوكيات الخاطئة تحول حرية الفرد من حقّ مشروع إلى تصرفات استفزازية تؤذي الآخرين ويعاقب عليها القانون.

الحرية ليست وصاية تُفرض، ولا فوضى تُمارس، بل هي مسؤولية قبل أن تكون حقًا، ويجب أن تحترم القوانين وتحمي حقوق الآخرين. والمجتمعات التي تزدهر هي التي توازن بين حماية قيمها وحريات أفرادها، فتضمن بيئة آمنة ومفتوحة للجميع دون قيود جائرة أو تجاوزات مدمرة.

ليست هناك حرية مطلقة؛ فحتى في المجتمعات الغربية المتحررة، توجد حدود لا يمكن تجاوزها، فمصلحة المجتمع وعامة الناس تأتي قبل حرية الفرد. ووعي الإنسان واحترامه للآخر هو المفتاح الرئيس لتحقيق المعادلة الصعبة، خاصة إذا كنا نبحث عن مجتمع متسامح، يحترم حرية الشخص دون أن ينحرف إلى وصاية مفرطة أو فوضى غير منضبطة.

حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية غيره، وإلا فإنها تُعد تعديًا على حقوق الآخرين وتحديًا للمجتمع ومكوناته.

ولكم تحياتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى