المقالات

الوصول لحظة .. والرحلة عمر

في مسرح الحياة، كثيراً ما نظن أن السعادة تقف على باب النهاية، تنتظرنا عند لحظة تحقيق الهدف أو إعتلاء القمة. نركض بعزم، نرهق قلوبنا، ونختزل الفرح في لحظة وصول واحدة. لكن الحقيقة الأعمق، تلك التي لا نلمسها إلا بالتأمل، أن الحياة ليست في نقطة النهاية، بل في المسافة الممتدة بين البداية والوصول .. في كل نفسٍ نلتقطه ونحن على الطريق.

الرحلة هي النسيج الذي تحاك منه حكاياتنا

كل خطوة تحمل جزءاً منا، كل عقبة تزرع فينا صلابة جديدة، وكل لقاء يترك أثراً في ملامحنا الداخلية. حتى اللحظات البسيطة – إبتسامة عابرة، نسمة هواء على وجهك، أو فنجان قهوة في صباحٍ هادئ – تتحول مع الوقت إلى علامات مضيئة على خارطة العمر.

الوصول لحظة قصيرة كوميض برق، لكن الطريق .. هو النهر الذي يسقي أرواحنا ويعلمنا كيف نبحر وسط التيارات. هو المدرسة التي ننهل منها الصبر، والمرونة، وفن الرضا. هو الهدية التي ترسلها الحياة لنا متخفية في صورة أيام متتابعة، تحمل في طياتها الدروس والهدايا.

وحين نغفل عن جمال الرحلة ونثبت أبصارنا على الهدف البعيد، نفقد فرصة تذوق طعم اللحظة، ونحرم أنفسنا من بهجة الاكتشاف. فالطريق مليء بانتصارات صغيرة، بحوارات دافئة، وحتى بالعثرات التي، وإن أوجعت، شكلت فينا إنساناً أكثر نضجاً وعمقاً.

اسع وراء أحلامك بكل شغف، لكن لا تسمح لتلك الأحلام أن تعميك عن مشهد الغروب الذي يلون سماء يومك، أو عن الضحكة التي تسقط منك بلا ترتيب. عش التجربة بكامل قلبك، وامتلئ من كل لحظة تمر بك، لأنها قد لا تتكرر أبداً.

في النهاية، ستدرك أن الحلم الحقيقي لم يكن القمة التي وقفت عليها، بل تلك الدروب التي مشيتها، واللحظات التي التقطتها روحك في الطريق.

الحياة ليست سباقاً تنتهي بخط نهاية
بل رحلة تستحق أن تعيشها بكل دهشة وشغف، وكأنك تسير فيها لأول مرة

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى