ربما لم يخطر ببالك ذات يوم أن تتأمل “النملة” وهي تتحرك بكل دقة واحتراف. كيف تتنفس؟ وهل لها رئة لجلب الأكسجين وطرد ثاني أكسيد الكربون؟ هل لديها قلب ينبض يضمن لها الحياة؟ هل هناك دم يسري بين أجهزتها؟ هل تشعر بمن حولها؟ كيف تخرج من مسكنها ثم تعود إليه بكل يسر وسهولة؟ هل للنمل مجتمعات؟ وهل للمجتمع الواحد نظام وعمل منظم وموزع؟ وهل للنملة لغة تتفاهم بها مع بقية مجتمعها؟
لقد دعاني الفضول للبحث في أسرار هذا المخلوق الذي أراد الله أن يجعل منه إشارة إلى عظمته سبحانه وتعالى.
النمل مجتمع منظم تتوزع فيه الأدوار: “ملكة” مهمتها التكاثر وحمل البويضات لعدة سنوات لضمان استمرارية المجتمع، وجنود للحماية والدفاع، وفئة عاملة مهمتها جلب الغذاء وتخزينه وتنظيف المسكن لتجنب الأمراض.
ليس للنمل رئة، لكنه يتنفس من خلال فتحات تُسمى “الثغور التنفسية” على الجانبين. وينتقل الأكسجين عبر أنابيب دقيقة إلى كل الخلايا، ويخرج ثاني أكسيد الكربون بالعكس. فالنمل ليس بحاجة إلى دم لنقل الأكسجين.
وللنملة قلب، لكنه ليس كقلب الإنسان، بل أنبوب عضلي يمتد على طول ظهرها يُسمى “القلب الظهري”، يضخ سائلًا يسمى “الهيموليمف”، ووظيفته نقل الغذاء والهرمونات.
تخرج النملة من مسكنها وتعود إليه حتى في الظلام الدامس. فمع أنها لا تملك “خرائط جوجل”، إلا أن مجتمع النمل يعتمد على ثلاث طرق للعودة إلى مساكنه:
- إفراز مواد كيميائية على الأرض تترك مسارات عطرية يمكن العودة إليها.
- قدرتها على عد خطواتها تقريبياً لحساب المسافة.
- قدرتها على حفظ المعالم التي مرت بها مثل الصخور أو شكل الطريق.
هذه النملة، التي يكاد ألا يكون لها وزن، يمكنها حمل أوزان تصل إلى خمسين مرة من وزنها.
“صنع الله الذي أتقن كل شيء” – الآية 88، سورة النمل.
ولعلّكم قرأتم قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام، حين تحرك مع جنوده واقتربوا من مسكن النمل، فانتبهت نملة فخاطبت مجتمعها: “يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون”.
هذه القصة تدل على أن النمل أمة منظمة لها مساكن، وقادرة على التواصل فيما بينها، والتحذير من المخاطر التي قد تتعرض لها. إنها قدرة الله سبحانه وتعالى.
……
في المقال القادم أكمل الجزء الثاني: “بين النملة والمريخ .. أنا وأنت لا شيء

