المقالات

أسوأ جائزة تربوية في التاريخ

تفاجأت أسرةٌ بعودة ابنها إلى البيت بعد مضي شهرٍ واحدٍ من بدء العام الدراسي، فإذا به يدخل فرِحًا يحمل بين يديه هديةً أنيقة مزركشة. شاركته الأسرة بهجته، ثم سأل الأبُ بفضول:

– ماذا أنجزت يا بُني لتستحق هذه الهدية القيّمة؟

فأجاب الطفل ببراءة:

– لقد حصلتُ على المركز الأول في مسابقة “أفضل طالب صامت” خلال الشهر!

وقع الخبر على الأب وقع الصاعقة، إذ أدرك ما تحمله هذه “الجائزة” من أهداف كارثية. فسارع إلى المدرسة ليلتقي بالمدير، مستفسرًا عن معلم ابنه. فإذا بالمدير يثني على المعلم ويصفه بالمتميز، بل ويخبره أنه من خيرة المعلمين في ضبط الفصول الأولية، وأنه يُنفق على هدايا الانضباط من ماله الخاص!

لكن الأعجب من ذلك أن الأب اكتشف أن المدير شديد الحرص على “سمعة” المدرسة أمام المشرفين والزوار، حتى إنه قرر أن يضع طلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي في الطابق الثالث، على الرغم من مشقة صعود السلالم يوميًا على هؤلاء الصغار صباحًا، وفي استراحة الإفطار، وفي حصص الرياضة، وحتى عند الانصراف. كل ذلك من أجل ألا ترتفع أصواتهم فتعكّر على الزوار صورة المدرسة “المنضبطة”!

ولما اصطحب المديرُ الأبَ في جولةٍ داخل المدرسة، لاحظ أن الصمت يخيم على أرجائها حتى لا يُسمع فيها إلا الهمس. وما إن وصلا إلى الطابق الثالث، حتى رنّ جرس الحصة، وخرج الطلاب ليلتقطوا أنفاسهم بعد 45 دقيقة من الصمت والانضباط القسري. غير أن لحظة ظهور المدير كانت كافيةً لتبعث الرعب في قلوبهم، فارتدوا إلى فصولهم متدافعين كأنهم فرّوا من قَسورة، ثم دوّى صوته المزمجر:

– ادخل فصلك يا ولد!

أيُعقَل أن يُبنى التعليم على كبت الطفولة، وإخماد الأسئلة، وزرع الخوف؟!

وقد حذّر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا ﷺ – وهو قدوة المربين – من نهر السائل فقال: ﴿فَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾. بل وعاتبه حين عبس في وجه الأعمى فقال: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾.

ومنهاج أصحاب رسولنا عليه الصلاة والسلام تميّز بمنهجية السؤال، ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: بمَ أدركت العلم؟ فقال: «أدركت العلم بلسانٍ سؤول، وقلبٍ عقول، وبدنٍ غير ملول».

فكيف يعقل أن يَعقِل القلب إذا حُرِم من السؤال؟!

إنها دعوة لأحبتنا ورسالتنا إلى مدارسنا – مشكورين مأجورين مع مطلع العام الدراسي – أن تتحول قاعاتنا الدراسية إلى خلايا نحل نابضة بالحياة؛ بيئات محفِّزة على التساؤل والتفكير النقدي والإبداعي والتحليل والتخيل. أن تعلو فيها – بأدب – أسئلة: لماذا؟ وكيف؟ وماذا لو؟ وأن يكون دور المعلم فتح آفاقٍ رحبة، وصناعة أجواء إيجابية تشجع الطلاب على البحث والمشاركة، واكتشاف الموهوبين من خلال أسئلتهم المختلفة غير التقليدية.

وهي أيضًا دعوة للأمهات المربيات؛ إذ لا تكتمل رسالة المدرسة إلا بالشراكة الحقيقية في منهجية التعلم، اقتداءً بمثل تلك الأم التي كانت، عندما يعود ابنها من المدرسة، لا تسأله عن شيء قبل أن تقول: ماذا سألت اليوم؟

فصنعت منه طالبًا سؤولًا، ولم تكتفِ بالسؤال فحسب، بل كانت تُلح أن تكون أسئلته في أعلى مستويات التفكير والخيال، حتى حاز ابنها على جائزة نوبل في الفيزياء.

إن التعليم الحق لا يصنع “طلابًا صامتين”، بل عقولًا متسائلة، وقلوبًا مفكرة، وأجيالًا مبدعة.

ولنحوِّل جوائزنا من “أفضل صامت” إلى “أفضل سؤال”، فهو الذي يفتح آفاقًا لفكرة مبدعة، ويكشف عن مفكرٍ مبدعٍ موهوب.

مدير رعاية الموهوبين سابقً

أحمد سعيد الحُريري

مدير رعاية الموهوبين سابقًا

‫10 تعليقات

  1. اضافة تعليمية وتربوبية بامتياز من رجل التعليم والموهوبين بهدف امتياز بئية التعليم وريادة مخرجاته في زمن سرعة العلوم وتجددها وتنامي ادوات الذكاء الاصطناعي وغيرها من ادوات المعرفة والبحث

  2. كنت أيام العمل ( …مديرمكتب تعليم) في زيارة لمدرسة، كانت ممتازة المظهر والسمعة ، دخلت قبيل نهاية حصة ، كانت هادئة جدا ، ولم يكن هدوءها مؤشرا جيدا عندي ، ومع رنين جرس نهاية الحصة خرجت وخرج معي مديرها الفاضل ، واخترت المرور على قسم الصفوف الأولية ، وقد ضج صوتهم منعشا ذلك الهدوء وقد ابتهجت في داخلي ، واعتذر مني المدير أن هذا الإزعاج فقط بسبب الفسحة ، فالتفت إليه وقلت ( أنا أعلم يا أخي أن دخلت مدرسة ابتدائية ولم أدخل مقبرة ) هذا الصوت يا أستاذ هو صوت الحياة وصوت نشاط التعلم وصوت سرور الأطفال ينبغي أن يأخذ حيزه في المدرسة وهو مؤشر ممتاز في المدرسة الممتازة.

  3. اخي الكاتب المحترم ،، وجهة نظر تُحترم ولكن للاسف هذا الطرح في عمومياته أساء الى التعليم والوزارة بصورة غبر مباشرة ، فهل يُعقل ان يكون ما اشرت اليه حدث حقيقة ؟ أشك كثيراً!! ليس تكذيباً لك ولكن قد يكون الناقل اليك أخطأ في الافادة.
    فهل من المنطق ان تكون هناك جائزة بذلك المسمى اللفظي؟
    وهل يُعقل أن ترضى ادارة التعليم والوزارة بذلك ؟
    وهل يمكن ان يرضى المرشد الطلابي وادارة التعليم بأن يكون طلاب الصف الاول ابتدائي في الدور الثالث ؟
    يا أخي إن حدث هذا حقيقة فكان يجب ان تُسمي الأسماء بأسماءها وتذكر تاريخ الحادثه ومتى تاريخ اصدار تلك الجائزة واسم المدرسة والمدينة التي هي فيها ، ارى ان دور الكاتب ان يتعاون مع الوزارة والجهة المختصه في توضيح الحقائق وليس نشر عمومياتها.

  4. مقال يكتب بما ذهب وهذا يحصل من بعض المعلمين الذين نظرتهم دونيه ويرغب في القاء درسنا وينصر مع فرض شخصيته الحرازي وهو يهدم قبل أن يبني

  5. التوازن بين الانضباط و النشاط الحركي للطلبة أمر مهم جداً للغاية…
    البيئة الغير منضبطة تتسب في إرباك اليوم الدراسي وتعطيل المعلمين عن تأدية رسالتهم..
    والبيئة الصارمة المتزمتة تولد جيل ضعيف بالكاد يستطيع أن يتحدث فقط فلا يستطيع التحاور الجيد و لا تشارك الأفكار و لا يمتلك القدرة على استيعاب مهارات التفكير العليا…

  6. أبدعت أخي العزيز فيما طرحت . فالتعليم هو أكتشاف إبداع وتعزيز قيم وبناء شخصية الطالب. وليس هدمها أو تجاهلها. فأنا معلم أمتلك من الخبرة في هذا المجال ٢٦ سنة. ولله الحمد أحاول بكافة الطرق أكتشاف المواهب وصقلها لدى الطلاب. وتنمية قدراتهم. وتعزيز القيم الحسنة لديهم.

  7. المشاهد فارس
    والتنظير دون ممارسه تدريس الطلاب امر غير مقبول
    والدعوة لتجريم الادب والانضباط للطالب من قبل ادارة المدرسه او المعلم دعوة تفتقر للمنطق السليم
    بالعكس هذا المدير جيد لكن خانه التعبير بهذا التصرف لان ضبط الطلاب والمدرسة اولى خطوات التعلم لدى الطالب
    اما ترك الحبل على الغالب فليس اسلوب علمي وعملي لمساعدة الطالب على الفهم والادراك والتساؤل

  8. الاستشهاد بقوله وأما السائل فلا تنهر ليس في محله فهناك فرق بين المتسول والذي يطرح السؤال

اترك رداً على محمد العمري إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى