االجراح التي تترك أثراً في أرواحنا لا تنشأ في عزلة. غالباً ما تبدأ بكلمة قاسية، خذلان غير متوقع، أو فقدان موجع لشخص كان جزءاً من حياتنا. ولهذا فإن محاولة مداواة تلك الجراح بعيداً عن الناس تشبه محاولة إشعال النار في فراغ؛ قد يسطع وهج لحظة، لكنه سرعان ما يخبو.
العزلة تمنح فسحة للتفكر، لكنها لا تقدم علاجاً حقيقياً. ما يحتاجه القلب المكسور ليس جداراً أعلى يحجب العالم، بل إنساناً يقابله بوجه صادق، بعينٍ تفهم وبقلب يتسع. في تلك اللحظة التي يسمح لنا فيها أن نعترف بضعفنا دون خوف من الرفض أو السخرية، يبدأ الشفاء بالظهور.
العلاقة الشافية لا تقوم على المثالية، بل على الأمان. أمان أن تخطئ دون أن تدان، أن تبوح بما يثقل صدرك دون أن يساء فهمك، أن تجد من يسمع ارتباكك دون استعجال للحكم. إنها علاقة يلتقي فيها الصدق بالرحمة، فيتحول الألم من ندبة تثقل الروح إلى بصمة تذكرنا بقدرتنا على النهوض.
الشفاء الحقيقي ليس لحظة عابرة، بل مسار ممتد تصنعه خطوات صغيرة من التعاطف والاحتواء. كل كلمة صادقة، كل إصغاء حقيقي، كل لمسة تحمل دفئاً، هي خيط جديد ينسج جداراً داخلياً أقوى. وفي نهاية الرحلة، ندرك أن إنسانيتنا لا تقاس بمدى خفائنا عن الألم، بل بقدرتنا على أن نجد في الآخر سنداً يعيد لنا الثقة بالحياة.
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس


