يمثل عام 2025 نقطة تحول تاريخية في مسار القضية الفلسطينية، إذ شهد العالم حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق لإحياء عملية السلام، وإعادة الاعتبار لمبدأ حلّ الدولتين كخيار استراتيجي يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي قلب هذا الحراك، برزت المملكة العربية السعودية لاعباً رئيسياً، ليس فقط بصفتها دولة محورية في العالمين العربي والإسلامي، بل أيضاً بصفتها قوة دبلوماسية استطاعت أن توظّف مكانتها الدولية وقنواتها السياسية لتعبئة المجتمع الدولي نحو خطوات عملية تؤدي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
منذ بداية الأزمة المتجددة في فلسطين وما رافقها من تصعيد عسكري ومعاناة إنسانية، قادت السعودية جهوداً حثيثة لحشد موقف دولي متماسك يهدف إلى وقف دوامة العنف وإحياء مسار المفاوضات. وقد جاء ذلك متسقاً مع رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد مراراً أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للعرب، وأن السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا السياق، لعبت السعودية دوراً محورياً في التحضير للمؤتمر الدولي رفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، والذي استضافته بالتعاون مع فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة. تميز هذا المؤتمر بأنه لم يقتصر على إصدار بيانات سياسية، بل قدّم خارطة طريق عملية تتضمن خطوات زمنية لتنفيذ حلّ الدولتين، وضمانات دولية لحماية المدنيين، وآليات لإعادة إعمار غزة وتثبيت مؤسسات الحكم الفلسطيني على أسس ديمقراطية.
ويأتي هذا الحراك امتداداً لدور السعودية التاريخي في دعم القضية الفلسطينية منذ عقود، وتحديداً منذ إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2002 التي تبنتها القمة العربية في بيروت، والتي وضعت أساساً واضحاً لتحقيق سلام شامل يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. استمرار السعودية في تبني هذا النهج اليوم يعكس ثبات موقفها الاستراتيجي وسعيها الدائم لتحويل المبادئ إلى خطوات عملية على أرض الواقع.
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان حاضراً بقوة في كل مراحل التحضير والتنفيذ؛ حيث أجرى اتصالات مع قادة الدول الكبرى، وعقد لقاءات مكثفة مع الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية، وقدم مبادرات اقتصادية ودبلوماسية لدعم الاستقرار والتنمية في الأراضي الفلسطينية. كما شدّد على أن السلام المستدام لن يكون على حساب حقوق الفلسطينيين، بل من خلال تمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة. وقد تبنّت السعودية خطاباً متوازناً يرفض التصعيد ويدعو إلى الحوار، ما ساعد على استقطاب دول مترددة وإقناعها بالمشاركة في المؤتمر ودعم مخرجاته.
وألقى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، كلمةً أمام المؤتمر الدولي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بتاريخ 22 سبتمبر 2025، قال فيها: “حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة”.
ونوّه سمو وزير الخارجية خلال الكلمة إلى الموقف التاريخي لفخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين، وإقدام العديد من الدول على اتخاذ هذا الموقف الشجاع، إضافة إلى التأييد الدولي الواسع لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حلّ الدولتين، الذي صوّت لصالحه 142 دولة، وهو ما يعكس إرادة المجتمع الدولي في إنصاف الشعب الفلسطيني وترسيخ حقه التاريخي والقانوني وفق المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
كما أكد سمو وزير الخارجية أن السعودية عازمة على مواصلة شراكتها مع فرنسا وجميع الدول الداعية إلى السلام، من أجل متابعة تنفيذ مخرجات هذا المؤتمر، ووضع حد للحرب في غزة، ووقف جميع الإجراءات الأحادية التي تهدد السيادة الفلسطينية، والعمل على إنهاء الصراع في المنطقة، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. مجدداً سموه الشكر للدول التي اعترفت أو أعلنت عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، داعياً بقية الدول إلى اتخاذ هذه الخطوة التاريخية التي سيكون لها بالغ الأثر في دعم الجهود الرامية إلى تنفيذ حلّ الدولتين وتحقيق السلام الدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وإيجاد واقع جديد تنعم فيه المنطقة بالأمن والاستقرار والازدهار.
نتيجة لهذه الجهود، ارتفع عدد الدول التي تعترف بفلسطين إلى ما يقارب 157 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، ما عزز الشرعية الدولية للدولة الفلسطينية ومهّد الطريق لمزيد من الخطوات على صعيد الانضمام إلى المؤسسات الدولية وتفعيل القرارات الأممية ذات الصلة. كما أسهمت هذه الاعترافات في ممارسة ضغط سياسي على الأطراف الرافضة للحل التفاوضي، ودعمت مساعي المجتمع الدولي لوضع حد للاستيطان والانتهاكات التي تعيق تحقيق السلام. وقد حظي المؤتمر بترحيب واسع من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من العواصم الكبرى التي اعتبرت نتائجه فرصة تاريخية لإعادة إطلاق عملية السلام.
تأكيداً على دورها المحوري، جدّدت المملكة العربية السعودية في ختام المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين – والمعروف بـ “إعلان نيويورك” – التأكيد على التزامها الراسخ بدعم كل الجهود الرامية إلى تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة. وجددت موقفها الثابت بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، استناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية.
ويمثل هذا التحول التاريخي بداية مرحلة جديدة في مسار القضية الفلسطينية، حيث تلوح في الأفق فرص حقيقية لإحياء المفاوضات وتحويل الوعود إلى واقع ملموس على الأرض. ومع استمرار التنسيق الدولي بقيادة السعودية، فإن المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من الخطوات العملية التي تعزز الاستقرار وتفتح آفاق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة، بما يرسخ مكانة السعودية كشريك رئيسي في صياغة مستقبل أكثر أمناً وعدلاً للشرق الأوسط. ومع استمرار هذا الزخم الدبلوماسي، فقد يكون عام 2025 بداية النهاية لأطول صراع في المنطقة، وبداية عهد سلام وتنمية غير مسبوق في الشرق الأوسط.
في الختام، أبرزت المملكة العربية السعودية الدور القيادي لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – الذي استطاع برؤيته الاستراتيجية وحضوره الدولي أن يقرّب وجهات النظر ويوحّد الموقف العالمي حول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كما أسهمت جهوده الدبلوماسية وحنكته السياسية في دفع المجتمع الدولي إلى خطوات عملية لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعزيز حقوق شعبها في الحرية والسيادة، بما يرسّخ مكانة المملكة كقوة دافعة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
##محمد_الأنصاري






