عضو هيئة تدريس سابق في جامعة الملك عبدالعزيز
في سوق العمل، يقف خريجان: الأول تخرّج بمعدل امتياز مع مرتبة الشرف، والثاني بتقدير جيد جدًا، لكن سجله حافل بالأنشطة الطلابية والقيادية.
من منهما سيكون الأكثر تأثيرًا في المجتمع؟
الإجابة قد تفاجئ الكثيرين، فغالبًا ما يكون الخريج الثاني هو الأكثر نجاحًا وتأثيرًا في مساره المهني والاجتماعي.
الواقع يشهد: محور الأنشطة يتفوّق
تشير العديد من الدراسات والتجارب الواقعية إلى أن المشاركين في الأنشطة الطلابية – حتى لو كانت معدلاتهم الأكاديمية متوسطة – غالبًا ما يكونون الأكثر تأثيرًا بعد التخرج.
فهم يمتلكون مهارات القيادة والعمل الجماعي وإدارة الوقت، ويتمتعون بثقة أكبر بالنفس وقدرة متميزة على التواصل، بينما نجد أن الطالب الذي كان همه الوحيد هو الحصول على أعلى الدرجات، غالبًا ما يواجه صعوبات في المقابلات الشخصية، وقد يعاني من العزلة الاجتماعية وعدم القدرة على التكيف مع متطلبات سوق العمل.
الجذور التربوية: أين حدث الخلل؟
هذه الظاهرة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة طبيعية لأسلوب التعليم في مراحل الدراسة الأساسية، حيث يبدأ الخلل من:
- التركيز المفرط على الدرجات الذي يقتل روح الفضول الطبيعي لدى الطفل.
- تحويل الأسئلة الاستكشافية من “لماذا؟” و“كيف؟” إلى سؤال واحد: “كم درجة سأحصل عليها؟”.
- تحويل الكتاب المدرسي من نافذة إلى عالم الأفكار إلى مجرد وسيلة للامتحان.
إن الخريج الناجح في القرن الحادي والعشرين لا يحتاج فقط إلى المعرفة الأكاديمية، بل يحتاج إلى مجموعة من المهارات، منها على سبيل المثال:
- مهارات التواصل الفعّال.
- القدرة على العمل ضمن فريق.
- التفكير النقدي وحل المشكلات.
- المرونة والقدرة على التكيف.
- القيادة والمبادرة.
(وقد دونت ذلك في إحدى دراساتي السابقة، وأتمنى أن ييسّر الله لي فأعيد نشرها بما يوائم متطلبات الكتابة الصحفية).
وهذه كلها مهارات تُكتسب من خلال المشاركة في الأنشطة اللاصفية، وليس من خلال الحفظ والتلقين.
نحو تعليم متوازن
الحل – من وجهة نظري – يكون في تطوير تعليم متوازن لإعداد جيل قادر على التأثير الإيجابي في المجتمع، من خلال:
- تغيير ثقافة التقييم لتراعي المهارات الحياتية إلى جانب التحصيل الأكاديمي.
- تشجيع المشاركة في الأنشطة المختلفة كجزء أساسي من العملية التعليمية.
- ربط التعليم بحياة الطالب ومتطلبات المجتمع.
- تدريب المعلمين على أساليب التعلم النشط القائم على المشاركة.
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن الدرجات العالية مهمة، لكنها ليست كل شيء؛ فالمجتمع يحتاج إلى قادة ومبدعين ومبادرين أكثر من حاجته إلى حاملي شهادات بمعدلات عالية دون مهارات حياتية.
لنعمل معًا على إعداد جيل متوازن يجمع بين المعرفة الأكاديمية والمهارات الحياتية، ليصبح قادرًا على صنع الفرق الحقيقي في مجتمعه





