المقالات

مدارس الفلاح .. منارة العلم التي باركها الملوك ورباها المربون العظام

في يوم المعلم العالمي: وفاءٌ للمربي الفاضل السيد محمد بن عبدالحي رضوان ورفاقه من صناع الأجيال

في اليوم الخامس من أكتوبر من كل عام، يحتفي العالم بيوم المعلم، ذلك اليوم الذي تضاء فيه شموع الوفاء لمن أضاءوا العقول وعمروا الأرواح بالعلم والقيم.
وفي مكة المكرمة، حيث كانت البداية والنور، يتجدد الوفاء لرمزٍ من رموز التربية والتعليم، للمربي الفاضل السيد محمد بن عبدالحي رضوان – رحمه الله وغفر له – مدير مدارس الفلاح، الذي مثل القدوة والموجه وصانع الرجال، ومعه ثلة من المعلمين الأفاضل الذين قدموا للتعليم أصدق معاني الرسالة وأسمى صور العطاء.

خطاب ملكي خالد .. ووصية لا تنطفئ

في عام 1349هـ (1930م)، وجه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – خطاباً كريماً إلى مدير مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، جاء فيه تأكيدٌ على دعم المدرسة وتشجيعها، وثناءٌ على جهود القائمين عليها في نشر العلم وخدمة أبناء الأمة.

وقد ورد هذا الخطاب النادر ضمن صور الوثائق التاريخية التي يحتفظ بها أخي المهندس كمال إبراهيم أزهـر بـ متحفة الخاص بجدة ليبقى شاهداً على أن الفلاح كانت وستظل تحتضن دعم القيادة وإيمانها الراسخ برسالة التعليم.

فذلك الخطاب التاريخي لم يكن مجرد وثيقة إدارية، بل كان شهادة تقدير ملكية لصرحٍ تعليمي أسس لجيلٍ من الرجال الذين حملوا مسؤولية النهضة والعلم.
ومنذ ذلك الحين، ظلت مدارس الفلاح عنواناً للتفوق والريادة، وشعاراً لرسالةٍ تربويةٍ نبيلةٍ آمن بها مؤسسوها، وكرسها المربون العظام الذين تعاقبوا على إدارتها وتعليم أبنائها.

السيد محمد بن عبدالحي رضوان .. مدرسة في القدوة والقيادة

كان رحمه الله نموذجاً للمربي الحقيقي الذي يجمع بين الهيبة والتواضع، بين الحزم والرحمة، وبين الفكر التربوي الراقي والالتزام الأخلاقي العميق.
لم يكن يرى التعليم وسيلة لكسب العيش، بل رسالةً لبناء الإنسان.
غرس في طلابه قيم الرجولة والانضباط والاحترام، وربى فيهم روح العمل والإنجاز.
وفي عهده، كانت مدارس الفلاح بيتاً للعلم والخلق، يتكامل فيها دور المربي والمعلم مع دور الوالدين، في تناغمٍ قل نظيره، حتى أصبح طلابها وأساتذتها أسرة واحدة تجمعها المحبة والعطاء.

رفاقه من المعلمين .. عمالقة الميدان التربوي

لم يكن الفلاح مجد رجلٍ واحد، بل ثمرة جماعة من الرجال المخلصين الذين وضعوا بصماتهم في تاريخ التعليم بمكة المكرمة.
تآزروا على ترسيخ قيم العلم والإيمان، وقدموا نموذجاً يحتذى في الإخلاص والانتماء والرسالية.
رحم الله من رحل منهم إلى الرفيق الأعلى، وبارك في عمر من بقي، وجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم، فهم بحق أركان الفلاح، وصناع الأمل، وعناوين الوفاء.

إرث ممتد ..وخريجون يعتزون بالانتماء

لقد تشرف بالانتماء إلى هذا الصرح العريق جيلٌ من أبناء مكة المكرمة ممن واصلوا مسيرة العلم والعطاء، ومن بينهم إخواتي المهندس كمال إبراهيم أزهـر والدكتور ماهر إبراهيم أزهـر، الذين يعتزون بأنهم من خريجي مدارس الفلاح، ذلك البيت العلمي الذي جمع بين التهذيب والتعليم، وبين الإيمان والمعرفة، فغرس فيهم حب الوطن والعلم والوفاء.

إرث خالد ورسالة متوارثة

منذ رسالة الملك المؤسس وحتى يومنا هذا، بقيت مدارس الفلاح منارةً مضيئة في سماء التعليم السعودي، تتوارث رسالتها الأجيال جيلاً بعد جيل. فتاريخها شاهد على أن التعليم حين يقترن بالإيمان والإخلاص، يصنع رجالاً يغيرون وجه الأمة.

وفاءٌ في يوم الوفاء

في اليوم العالمي للمعلم، نقف وقفة إجلالٍ وامتنانٍ لكل من غرس بذرة علمٍ في أرضٍ مباركة، ولكل من جعل من التعليم رسالة حياة.
رحم الله المربي الفاضل السيد محمد بن عبدالحي رضوان ومن رحل من رفاقه المخلصين، وبارك في أعمار من بقي منهم، وجزاهم عن طلابهم وأمتهم خير الجزاء.
فهم بحق عمالقة التربية وصنّاع الأجيال الذين تركوا أثراً خالداً في الذاكرة، وصدق فيهم القول:

“رحلوا بأجسادهم، وبقيت آثارهم تضيء طريق الأبناء والأحفاد”

اللهم أجعل علمهم صدقة جارية، وذكراهم عطرة في الدنيا والآخرة، وبارك في من بقي من معلمي الفلاح ممن يحملون الراية ويضيئون الدروب.

✍️ تلميذ الفلاح

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى