أطلق التجار على يوم الجمعة أسماء وألقابًا عدة، وسبق أن كتبتُ مقالًا في هذه الصحيفة حول هذا الاتجاه، حيث سموها الجمعة البيضاء بل وحتى الجمعة السوداء. وللعلم، فإن هذه التسميات والألقاب ترجع إلى “عيد الشكر” في الولايات المتحدة، الذي تُصادف جمعته التالية موسم التسوق والتخفيضات وفق عروضٍ ترويجيةٍ تُقام في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر، وتستمر قرابة أسبوع تقريبًا، وقد تمتد حتى نهاية ديسمبر بخصومات في المتاجر العادية والإلكترونية.
وطبعًا نحن – كمسلمين – لا نؤمن بهذه التسميات، لقداسة يوم الجمعة ومكانته بين الأيام، وفضله العظيم، فهو خير يومٍ طلعت فيه الشمس كما أخبرنا نبينا محمد ﷺ.
أما نحن في الباحة، فيوم الجمعة القادم سيتزامن مع موعد لتكريم شخصية بارزة تُعد من وجوه المجتمع الباحوي خصوصًا، والجنوبي والوطني عمومًا، إذ سيجتمع أكثر من أربعة آلاف شخص يمثلون شيوخ قبائل غامد وزهران وأعيانها، ورجال أعمالها، وإعلامييها، ومواطنيها، وشعراء من مختلف مناطق المملكة، وربما حتى من دول الخليج، ليشهدوا أكبر مهرجان تكريم في العصر الحاضر، يتمثل في تكريم البروفيسور عبد الواحد بن سعود الزهراني.
هذا الرجل جمع بين العلم – عميدًا لكلية التربية بجامعة الباحة – وبين الإبداع الشعري الشعبي، إذ يُعد من أبرز الشعراء الشعبيين الذين قضوا عقودًا في صناعة القصيدة المخضرمة بين عمق الماضي وتطور الحاضر. وله مشاركات وطنية بارزة، كان آخرها مشاركته مع نجوم آخرين في اليوم الوطني الخامس والتسعين. وقد جعل القصيدة الشعبية ناطقةً إعلاميًا، تلامس احتياجات المجتمع في قصائد محفوظة، تُظهر جمال توظيفه لمفردات وأغراض الشعر الشعبي المتفقة مع الشعر الفصيح. كما وضع بصمةً واضحة أسهمت في تحريك مشاريع تنموية خرجت من دائرة الصمت والتعثر، في الوقت الذي لامس شعره شغاف القلوب في أنواع الشعر الأخرى كالمجالسي والنبطي والقلطة وغيرها، وهي تميل إلى الوصف والغزل، ولم يُعرف عنه شعر الهجاء.
الشاعر الدكتور عبد الواحد، فوق أنه يمتلك زمام الكلمة، يجنح بها نحو المعاني السامية. ولم يُعرف عنه أنه انزلق إلى المهاترات أو السباب – العلني أو المبطن – في منصات العرضة، رغم ما قد يرافقها من تنافس حاد في ما يُعرف بـ”القارعة” في شعر الشقر الجنوبي. فهو يحترم ذائقة الجمهور بعد احترامه لنفسه، وكما يُقال في المثل: السوق الذي لا يربح فيه معنويًا لا يُرتاد. وهو لا ينظر إلى التكسب المادي على حساب القيم، بل يرتقي بشعره إلى قمم الرقي الإنساني.
وينحدر الشاعر عبد الواحد من بيت شعر بامتياز؛ فوالده سعود بن سحبان – رحمه الله – كان شاعرًا له بصمات مع شعراء قدامى، وله باع طويل في الشعر الشعبي الجنوبي، وكان يتبادل القصائد مع ابنه عبد الواحد في المجالس وربما في منصات العرضة، وإن كانت قليلة؛ احترامًا من الابن لوالده. وكيف لا، وهو الذي تبرع له بكليته يومًا ما، وعاشا في غرفتين متجاورتين في أحد مستشفيات جدة، وتكللت العملية بالنجاح، وعاش الأب بهذا التبرع البار من ابنه حتى توفاه الله.
وما نعرفه عن أبي متعب – عبد الواحد – أنه صاحب برٍّ بوالديه، وخلقٍ كريمٍ مع الجميع، يحترم إخوانه وأقاربه، ويمنح من حوله أريحية التعامل دون مصلحة أو منفعة، في زمنٍ طغت فيه الماديات وقطعت صلات الأرحام. يظل علامةً فارقة في التواصل الإنساني والاجتماعي، وسلوكًا تربّى عليه منذ نعومة أظفاره حتى اليوم.
الدكتور عبد الواحد يكفيه من الصفات تواضعه الجم، الذي جعله محبوبًا بين الناس، لا يتكبر بموهبته الشعرية، ولا بمكانته الأكاديمية والاجتماعية، وهذا الجسر من التواضع مكّنه من العبور إلى قلوب الناس، سواء في مجتمعه القريب أو على مستوى المنطقة والمملكة. ومن هنا نُهنئ سعادة البروفيسور الشاعر عبد الواحد بهذه المحبة الصادقة، وبهذا التكريم الذي يستحقه من أبناء خاتم بن عوض الزهراني – رحمه الله – من قرية بني هريرة التابعة لقبيلة بيضان بزهران.
⸻
انعطاف قلم
بصوته الشجي الوطني، قال الدكتور عبد الواحد في إحدى أجمل الشيلات الوطنية:
يا دارنا يا دار سلمان ومحمد
لايقٍ عليك اسم السعودية العظمى
ولنا الشعار اللي نباهي به العالم
الدين مسلم والهوية سعودية
هذه الأبيات تناقلها الناس، وتم توظيفها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فحقّ له اليوم هذا التكريم من مختلف شرائح المجتمع.
إنه بحق سادن الحرف.





