من سنواتٍ خلت، يدور حوار واسع وعميق، واتخذ أبعادًا مختلفة ومتعددة حول تكريم الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود الزهراني، وقد استمر الحوار والمقترحات عبر قنوات مختلفة، فتارة في الوسائط الرقمية، وتارة أخرى عبر لقاءات اجتماعية لسيناريوهات مفتوحة، وكلها دارت في فلك التكريم والاحتفاء.
وقد كانت الاقتراحات والسيناريوهات متعددة، تتفاوت في الرؤى وتتباين طرائقها عن كيفية الإعداد لمثل هذا الحدث، بحثًا عن إضافة معنوية للشاعر تليق بشخصه الكريم، في وسطٍ مكتظ أتاح لهم منابر إعلامية متعددة، ويكون ذلك تتويجًا لعطاء استمر لعقود من الزمن.
وهذه التداخلات والكثرة أدركت أن الإضافة لهذا الرمز صعبة جدًا، فهو تجاوز دائرة الضوء إلى عطاء وطني وإنساني، اتفقت معه كل المكونات الاجتماعية، ولهذا جاء هذا التكريم استجابة لواقع يفرض نفسه في الساحة، فضلًا عن تطلعات جمهور عريض من محبيه.
إن عبدالواحد الشاعر، لم يكن شاعرًا للوطن، ولا شاعرًا للكلمة وتجليات المعنى، ولا شاعرًا للجوانب الإنسانية، ولا حتى شاعرًا لقيمة مضافة لعطاء الإنسان التي تحفز على مبادئ الإيثار أو للمَثَل والحكمة فحسب؛ بل هو شاعر تجاوز كل ذلك، لينال مرتبة متقدمة في الصف الأول من بين شعراء الجنوب، بل أزعم – أبعد من ذلك – ليتموضع في الضفة المقابلة متفردًا، في حين أن كل الجموع تنتظم في الواجهة المقابلة، ضمن ساحة عريضة تراقب حضورًا طاغيًا للشاعر الفذ من جانب، ولخلق نبيل اتصف به عبدالواحد الإنسان من جانب آخر.
ولعلي هنا أنصفه في هذا المعنى، لموقف نبيل كان رأيَ العين، تمثل بعفوية خالصة ومشهدٍ يتجلى فيه الخلق العالي ونبل الإنسان والتواضع الجم، وقد قطعتُ على نفسي عهدًا لا أبوح به، لعله يكون خبيئة له، وبإذن الله لن تغيب في مشهد آخر يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، ذلك هو عبدالواحد بحضوره الإنساني.
وأما حضور الشاعر، فهو ما عرفتم وسمعتم، وتلك هي قصائده تُشنّف الآذان وتُمتع الأسماع، ولم تكن عابرة للتغني والطرب والأهازيج فحسب، بل إنها اتسعت على رحابة الوطن والهوية، واتسعت كذلك لكل قيمة ثقافية، وتواشجت مع المجتمع الذي يقف في جَناح هذا الكيان، وامتدت قصيدته بنماذج الحكمة وصوت الإبداع الذي يدوم.
ومن هنا، يطيب لي أن أنتهز هذه الفرصة للإشادة بكل الشعراء الوطنيين عمومًا، وبالشعراء الأسلاف على وجه الخصوص، وفي مقدمتهم الشاعر الحكيم محمد بن ثامرة، واستتباعًا لذلك، يأتي هذا التكريم ليعزز القيمة الثقافية للموروث، وكذا صادر عن توافق جمعي عاقل ورشيد لكل المكونات الاجتماعية، على اختلاف مستوياتهم الثقافية وتبايناتهم الاجتماعية، ما يؤكد كل معاني اللحمة، وتوافق تام مع رؤية الوطن لحضور مختلف لمشهدنا الثقافي من واقع التاريخ والجغرافيا نفسها.
تبقى لي أن أشكر كل من امتد نحو هذا الوطن بعطاءات مختلفة، ولا يفوتني أن أقف وقفة تقدير واحترام لمن حاز على قصب السبق، ونال الظفر، الذي اختصر الطريق وخفف العناء ومشقة البحث عن معرفة سيرة الشاعر عبدالواحد، لتكون ليلة يحضر فيها التاريخ بسطوعه، وسجل العطاء المتراكم في درب سفر طويل، ممتد على أديم هذا الوطن، وخطوة جوهرية لتوثيق جزء من ثقافتنا، لنحفل معًا، ونسجل ذكرى جميلة لتسكن في أعماقنا، وليتداولها الأجيال اللاحقة في استلهام أنساق متنوعة في مسار الشعر والموروث الأصيل.
ومن هنا يتبدى السخاء وفيض الكرم لرجل الأعمال الشيخ فيصل بن خاتم الخاتم، وإخوانه الكرام كرعاة لحفل التكريم، لأن هذا التكريم سيحمل في طياته وتضاعيفه ما يُعبّر عن كل تلك المقدمات الناصعة في البياض، وعن الأعراف الحميدة لهذا المجتمع النبيل، في ظل قيادته الرشيدة – وفقها الله.
ولأن نشوء هذا التكريم والاحتفال سيكون على أرض الوطن، ومستمدّ بثقافته، كان لابد لي من الشكر والثناء للجنة المنظمة بوجهيها: التنظيمي والإعلامي، وعلى قاعدة “ختامها مسك”، هي آخر قولي… وفق الله الجميع.






