المقالات

دروس لا تنسى من الأستاذ الدكتور حسن باجودة: حين تختبر العدالة في مواقف الرجال

في حياة كل منا شخصيات تترك أثراً لا يمحى، لا بكلماتها فحسب، بل بمواقفها، وصبرها، وحكمتها في وجه المواقف الصعبة. ومن بين هؤلاء الذين نقشوا في ذاكرتي دروساً خالدة، الأستاذ الدكتور حسن بن محمد باجودة، والد زوجتي الكريم، الذي تعلمت منه أن التجارب القاسية ليست معضلة، بل مدرسة راقية لمن يحسن التأمل فيها.

كانت تجربته مع بعض المحامين نموذجاً يظهر كيف أن المواقف تعري النفوس وتكشف المعادن. لم يتحدث يوماً بمرارة، بل بحكمة تفيض من قلب مؤمن بعدالة الله قبل عدالة البشر. كان يرى أن القانون سلاح شريف، لا ينبغي أن يستخدم إلا نصرة الحق، وأن المحامي الحقيقي هو من يجعل ضميره ميزان قضيته، لا أجر موكله.

في أحاديثه الهادئة، كنت أرى الفرق بين المحامي الذي يبحث عن ثغرة، والمحامي الذي يبحث عن العدالة.
الأول يسعى إلى الانتصار بالكلام، والثاني يسعى إلى الانتصار بالقيم. كان يقول لي دائماً: “ليس كل من يحمل شهادة القانون، يحمل ضمير العدالة”. جملة بسيطة، لكنها تختصر تجربة عمر مع القضايا، والمواقف التي تضع الرجال أمام مرآة الحقيقة.

تعلمت منه أن العدالة ليست نصاً في نظام، بل روح في الإنسان، وأن من يخذلك، لا يملك أن يسلبك يقينك بعدالة الله. تعلمت منه أن التوكل لا يعني الاستسلام، بل يعني أن تعمل بصدق، وتترك الباقي لمن لا تظلم عنده الخصومات. تعلمت أن المواقف تكشف لا فقط من يقف معك، بل كيف يقف معك: هل بصدق ووفاء، أم بحساب ومصلحة.

ومع مرور الأيام، أدركت أن تجربة الدكتور حسن لم تكن تجربة “قانونية” فحسب، بل تجربة إنسانية في الصبر، والكرامة، والإيمان. كان يعلمني بصمته أكثر مما يعلمني بكلامه. فحين يظلم، لا يشتم، وحين يخذل، لا يندم، وحين ينتصر، لا يتباهى. إنه يؤمن أن الله يمهل، لكنه لا يهمل، وأن الحق وإن تأخر، لا يضيع بين يديه سبحانه.

لقد ترك في نفسي درساً لا ينسى: أن من يجعل القيم بوصلته، لا يضل طريقه مهما التوت المسارات. ومن يثق بعدل الله، لا يخشى ظلم الناس.

رحم الله الأيام التي جمعتنا بحكمته، وجزاه عني وعن أسرته خير الجزاء، فقد علمني بصبره أن القانون بلا ضمير، جفاء لا عدل فيه، وأن الموقف الشريف أبلغ من ألف مرافعة.

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى