المقالات

من رحم الألم…يولد الأمل،

عندما تكون القصيدة سبباً في بكاء شاعر… تصبح مصلاً ضد النسيان”.
بهذه الكلمات استهل الشاعر عبدالمحسن حليت قصيدته “تصحيح في معلقة عمرو بن كلثوم” التي نشرتها جريدة “المدينة” في ثمانينيات القرن الماضي.
ولم يكن يعلم أن بكاءه على الأمّة آنذاك سيعقبه أمل، وأن نقده الجريح سيكون من التاريخ.

فمن عمق الألم يولد الأمل،
. لقد كانت قصيدة حليت صرخة في ظلام الألم ، لكنها اليوم أصبحت نشيداً في الأمل، نرى اليوم طلائع الفجر تبزغ، ونشهد تحولاً تاريخياً تنكسر فيه ألام الماضي، وتتفتح فيه آمال المستقبل.

تعود بي الذاكرة إلى أواسط الثمانينيات الميلادية، وأنا مبتعث للدراسة في بريطانيا، حيث وصلتني نسخة من جريدة “المدينة” السعودية التي نشرت فيها قصيدة الشاعر عبد المحسن حليت مسلم عنون لها بـ:
“تصحبح في معلقة عمرو بن كلثوم”.
وقدم لها بجملة :
( عندما تكون القصيدة سبباً في بكاء شاعر…. تصبح مصلاً ضد النسيان)

كانت تلك القصيدة حدثاً ثقافياً استثنائياً، لم تكن مجرد معارضة شعرية عابرة، بل كانت صدمة فكرية وموقفاً وجودياً نقلت القارئ من خطاب الفخر التقليدي إلى مراجعة نقدية جريحة للذات والتراث.

كان الأثر الذي تركته هذه القصيدة كبيراً لدرجة أنها أصبحت محور النقاش في أحد اللقاءات الأسبوعية لأندية الطلاب السعوديين في مدينة مانشستر ببريطانيا. دار النقاش حول جرأة الشاعر في تفكيك مفهوم الفخر الذي ظل مسيطراً على المخيلة العربية لقرون، وكيف حول المعلقة من خطاب سيادة ومنعة إلى مرآة تكشف هشاشة واقعنا انذاك . كان حليت جريئاً في نقده اللاذع حين صرخ في وجه تراثنا الشعري:

إنها المفارقة التاريخية الصادمة: بينما كان عمرو بن كلثوم يرفع صوته عالياً: ‘أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَـا’، يأتي عبدالمحسن حليت بعد أربعة عشر قرناً ليصرخ من أعماق الألم:
‘قصيدتك التي عاشت دهوراً.. أراهَا في موازيني طنيناً’.”

يأتي الشاعر عبدالمحسن حليت مسلم ليس ليعارض معلقة عمرو بن كلثوم فحسب، بل ليقيم محاكمة جريئة لتراثنا الشعري. فبينما نردد منذ قرون:

“أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَـا”
“وَلاَ تُبْقِي خُمُـورَ الأَنْدَرِينَـا”

يحوّلها حليت إلى استعارة للوهم والغفلة

‏‎وما ذاقت (صبوحاً)أو(غبوقـاً)
‏‎ولا رشـفت (خمـور الأندريـنا)

ثم يؤكد ويقول :

“قصيدتك التي عاشت دهوراً
أراهَا في موازيني طنيناً”

وبحرفية الطبيب الجراح ، يستخدم حليت قصيدته “أبيت اللعن” لتشريح الواقع المأزوم لمن حولنا، فبينما يصور عمرو بن كلثوم القوة والعزة في:

“وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُوْحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِينَـا”

يُجيب حليت بصوت حزين:

“وأنخر في مفاصله المعاني
وفي أعصابه حتى يلينا”

لقد تحولت المعلَّقة من رمز للعزة إلى “لحن حزين” يكرر ألمنا دون أن يشفيه.
ففي واحدة من أقسى لحظات النقد الذاتي، يكشف الشاعر عن آفة تسمية الأشياء بغير مسمياتها:

“فكل هزائم الدنيا لدينا
تسمى نكسةً سترد حيناً

وكل كتيبة نقضي عليها
تسمى عندنا فتحاً مبيناً”

ولا يكتفي حليت بنقد الذات، بل يربط جراح الداخل بهزائم الخارج في مشهد درامي مؤثر:

“وعند صغار شاتيلا وقفنا
على أشلائهم متفرجينا

هنا تتحول القصيدة من حوار مع التراث إلى شهادة على العصر، ومن مناجاة شعرية إلى وثيقة تعبر عن الالم .

يقدم الشاعر تشخيصاً دقيقاً لعلّة الأمة في أكثر أبياته إيلاماً:

“وإنّا الخاسرون إذا ربحنا
وإنّا الرابحون إذا نسينا

ونسقى بعضنا كدراً وطيناً
لنسقى غيرنا ماءً معينا”

إنه تناقض وجودي كان يعيشه الإنسان العربي في تلك الحقبة، حيث تتحول القيم ، وتنقلب المفاهيم.

‏‎فلا تغـضـب إذا صَـحـحـتُ قولاً
‏‎أراه لا يطــــيق القــــائـلينا

‏‎أبيت اللعن – ما أدركت ديني
‏‎ولو أدركــــته لرأيت ديـنــا

‏‎فكـم يعــزى إلى الإسـلام ذنبٌ
‏‎وكــلّ الذنب ذنب المـســــلمينا

وماذا بعد ذلك؟
هل نكتفي بالبكاء على الأطلال؟

والجواب لا..
فقد رأينا جميعاً ومازلنا نرى طلائع الفجر قد بزغت بحمد الله،…فها هي أكثر من مائة وخمسين دولة تعترف بدولة فلسطين، وقد انحسر التأييد الرسمي والشعبي للمعتدين الغاصبين إلى أدنى مستوىى منذ تأسيس كيانهم. وأطفأ الله نار الحرب التي أكلت الاخضر واليابس.
وهذه بلاد الشام ( سورية ولبنان)بحمد الله قد تعافت وعادت الى مكانتها الطبيعية بين الأمم، وماكان ذلك ليتحقق لولا فضل الله أولاً، ثم بالجهد الكبير والمتواصل الذي بذله سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه .
فجزاه الله خير مايجزي قائداً عن أمته وأدام عليه التوفيق والسداد في كل ما يعمل خدمة لدينه ووطنه وأمته تحت قيادة توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله
وبإذن الله تعالى ماهذه البشارات الا مقدمة لغد مشرق وضَّاء على جميع الأصعدة.

وما ذلك على الله بعزيز..

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى