المقالات

القيادة الاستراتيجية والعلامة الشخصية: رحلة المئة يوم الأولى للقائد الفعّال

كتاب “خطة المئة يوم للقيادات الاستراتيجية”

المقالة الأولى :
تمرُّ مجتمعاتنا ومؤسساتنا بتحولات متسارعة، أصبح فيها العقل البشري رأس المال الحقيقي لتحقيق التميز والمنافسة. في هذا المشهد المتغير، تبرز الحاجة إلى قيادات استراتيجية ليست فقط قادرة على فهم تعقيدات العصر، بل أيضاً على صياغة رؤى مستقبلية وإلهام الآخرين لتحقيقها. تأتي هذه القراءة في كتاب “خطة المئة يوم للقيادات الاستراتيجية” لتلقي الضوء على منهجيته المبتكرة، التي تم تصميمها خصيصاً لتكون مُكَيّفة مع البيئة المحلية ومُلَبية لتطلعات جميع أصحاب المصلحة.

إن القيادة الاستراتيجية الفعالة هي نسيج متكامل لا يفصل بين الجوهر والمظهر، ولا بين الخطة والشخص. إنها الجسر الذي يربط بين متانة الأسس الإدارية وأصالة السمات الشخصية. خطة المئة يوم الأولى ليست مجرد جدول زمني للمهام، بل هي رحلة تحول شخصي ومهني للقائد، يقوم خلالها ببناء علامته الشخصية من خلال إنجازات ملموسة وعلاقات، ليقود مؤسسته من الواقع الحالي نحو المستقبل المنشود، محققاً التميز في أول مئة يوم وما بعدها، في ظل متغيرات عصر أصبحت فيه القيادة القائمة على القيم والكفاءة هي رأس المال الحقيقي الأكثر قيمة.

وقبل الخوض في خطة المئة يوم، من الضروري فهم النظام المتكامل للمفاهيم الإدارية التي تُشكّل قاعدة الانطلاق لأي قائد. فالإدارة، في جوهرها، هي عملية تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة للموارد لتحقيق الأهداف بكفاءة. أما القيادة، فهي فن التأثير الإيجابي في الآخرين وتحفيزهم نحو تحقيق الرؤية المشتركة. والمدير الناجح هو من يجمع بين كفاءة الأداء (فعل الأشياء بشكل صحيح) وفعالية النتائج (فعل الأشياء الصحيحة).

ولتحقيق هذا النجاح، يجب على القائد بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام، وإتقان فن التواصل والاستماع، وبناء فرق عمل مبدعة، والقيادة بالقدوة، مع فهم عميق للجوانب المالية وقياس الأداء. والتوازن بين الإدارة والقيادة هو توازن ضروري؛ فالاعتماد على القيادة وحدها قد يهمل متطلبات التنفيذ الفوري، بينما قد يؤدي التركيز المفرط على الإدارة إلى إهمال التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.

ويكتمل هذا البناء الفكري عبر التخطيط الاستراتيجي، الذي يمثل خريطة الطريق للمؤسسة. تبدأ هذه الخريطة برسالة واضحة تحدد هوية المنظمة وغرضها، وتستند إلى قيم راسخة تمثل مبادئها الثابتة. ثم تأتي الرؤية لترسم الصورة المستقبلية الطموحة، والتي تتحول إلى واقع ملموس من خلال أهداف محددة وقابلة للقياس، واستراتيجيات ذكية تحدد الآليات الكفيلة بتحقيقها. وتتكامل دورة التخطيط عبر ثلاثة مستويات: الاستراتيجي طويل الأجل، والتكتيكي لمدة 1-3 سنوات، والتشغيلي اليومي، مع متابعة وتقويم مستمرين لضمان تحقيق الأهداف.

بعد تأسيس الإطار المفاهيمي، ننتقل إلى المحور الإنساني الأكثر عمقاً وهو السمات الشخصية للقائد، أو ما يُعرف بـ “العلامة الشخصية”:
لم يعد هذا المفهوم مجرد حملة إعلانية سطحية، بل أصبح عملية استراتيجية شاملة تعتمد على الجوهر الحقيقي والأداء الملموس والاتصال الواعي. وقد أكدت إحصاءات أن 92% من المهنيين في الشرق الأوسط يرون أن العلامة الشخصية الجيدة تسهم بشكل فعّال في تسويق الفرد في سوق العمل.

يمكن تقسيم السمات الشخصية للقائد إلى أربعة محاور رئيسية تشكل معاً هويته المهنية:

1. السمات الجسمية: وتشمل الصحة، النشاط، والطلاقة اللفظية، والتي تمنح القائد القدرة على التحمل والحضور المؤثر.
2. السمات العقلية: وتتمثل في الذكاء، والثقافة الواسعة، والتفكير الإبداعي، وحسن اتخاذ القرار، وهي أدواته الفكرية لفهم التعقيدات وابتكار الحلول.
3. السمات الانفعالية: وتضم الثقة بالنفس، وضبط النفس، والمشاركة الوجدانية (Empathy)، مما يمكنه من قيادة ذاته قبل قيادة الآخرين.
4. السمات الاجتماعية: وتشمل مهارات التواصل، وتكوين العلاقات، وتقبل النقد، والذكاء الاجتماعي، وهي الجسر الذي يربطه بفريقه ومجتمعه.

وتكتمل هذه السمات بصفات عامة مثل الأمانة، الصدق، احترام الوقت، والتواضع، التي تشكل أساس الثقة طويلة الأمد.

ومن المهم اللا تبقى العلامة الشخصية نظرية مجردة، بل تُترجم إلى خطة عمل عملية. تبدأ الرحلة بثلاث خطوات أساسية: التقييم الذاتي لاكتشاف القيمة المضافة ونقاط القوة، تقييم الجمهور لفهم الانطباع السائد لدى الزملاء والرؤساء، وأخيراً تحقيق التوافق والاتساق بين الرؤية الذاتية وانعكاسها على الآخرين.

ولبناء علامة ناجحة، فإنها تعتمد أربع ركائز أساسية:

1. الأداء الملموس المدعوم بالنتائج الحقيقية والمهارات المتقنة.
2. التكرار الذكي للرسالة الإعلانية مع تجديدها لتثبيت المكانة في الأذهان.
3. التركيز العاطفي المستهدف لفهم ودوافع الجمهور.
4. الشمولية في بناء العلاقات داخلياً وخارجياً.

ولتطبيق ذلك، يمكن للقائد اتباع منهجية عملية مكونة من خمس مراحل:

1. تحديد النتائج المرجوة في أول 100 يوم.
2. اختيار 6 خصائص قيادية أساسية يرغب في التعريف بها عن نفسه.
3. صياغة هوية قيادية متكاملة تجمع هذه الخصائص.
4. ربط الهوية بالنتائج في عبارة واحدة موجزة وقوية.
5. التحقق من واقعية الخطة وقابليتها للتطبيق العملي.

وفي المقالة الثانية سنستعرض بإذن الله تعالى السمات الجوهرية للقائد الناجح

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى