زول وقلم، إنسان من عامة الناس، ولكنّي لن أصمت، ودماء أهلي في الفاشر ودارفور عمومًا أضحت أرخص من دماء فرخة في سوق الحراج.
أهلي مسلمون بطبعهم، يحبّون الغريب ويفتخرون بإكرامه ولو بماءٍ قراح، غير أنهم واجهوا أغرابًا بأطماع؛ فالأرض تبرق ذهبًا، وتَعِدُ وتُمنِّي، وموائلها تحتضن ملايين القطعان من الماشية والإبل والكباش، وصمغًا سودانيًا نادرًا.
في دارفور اليوم، الحكاية أكبر من عناوين الأخبار. يبحث إنسانها عن لقمة وهدوء لعبادة الله وترتيل القرآن في الخلاوي، غير أن الحرب لم تترك بيتًا إلا وطرقت بابه، ولا مدينة إلا وأطفأت ضوءها. الخرطوم تحوّلت إلى أطلال، والفاشر — قلب دارفور — صارت عنوانًا جديدًا للمأساة، بعدما دفع المدنيون الثمن الأكبر من دمائهم وكرامتهم.
اقتصاد البلد انهار، والجنيه السوداني فقد قيمته، والأسواق باتت ساحةً للبقاء لا للتجارة. ومع ذلك، ترى في العيون بقايا عزيمة، وناسًا تصارع الجوع بالحيلة، واليأس بالأمل. رغم نزوح الملايين، ما زال في السودان من يزرع ويُعلّم ويُطبّب… يصرّ على أن هذه الأرض لا تموت.
السياسة غابت، والرصاص صار لغة التفاهم الوحيدة، لكن الحقيقة أن ما يجري ليس حربًا بين طرفين، بل صراعٌ على وطنٍ أنهكته الخلافات والطمع. ومع كل هذا، لا يزال الزول السوداني، بضحكته الصابرة وكرامته العالية، مؤمنًا بأن الفجر سيطلع مهما طال الليل..

