المقالات

السلوك الإنساني وأثره الحاسم في نجاح إدارة المشاريع

في إدارة المشاريع، كثيرًا ما تلقى المسؤولية عن الفشل على خطط العمل أو الموارد المتاحة، ولكن الحقيقة العميقة تكمن في جانب أقل وضوحًا لكنه أكثر تأثيرً، وهو السلوك الإنساني في الجانب النفسي والبشري. إن المشاريع لا شك تتأثر بالعلاقات والسلوك الإنساني. على سبيل المثال، الدوافع، والتحفيز، والإدراك، والتفاعلات النفسية بين أفراد الفريق. تجاهل هذه العوامل الإنسانية يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعثر المشاريع رغم وجود خطط مدروسة وأهداف واضحة. لذلك، أصبح من الضروري جدًا لأي مدير مشروع أن يتعمق في فهم الجوانب النفسية التي تحرك الأفراد داخل المشروع، لأنه من دون هذا الفهم، تظل إدارة المشروع مجرد تنفيذ مهام بدون روح معنوية أو التزام حقيقي.

تتعدد أسباب فشل المشاريع، ولكن أغلبها يعود إلى قصور في التعامل مع العنصر البشري والإنساني. على سبيل المثال، عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات يخلق حالة من الارتباك وعدم الفعالية داخل الفريق، حيث لا يعرف كل فرد ما هو متوقع منه بدقة. كما أن غياب الثقة بين أعضاء الفريق أو بين الفريق والإدارة يؤدي إلى تراجع التكامل والتعاون المشترك وتدهور أداء المشاريع. التحفيز أيضًا يعد من الركائز الأساسية التي تساهم مساهمة كبيرة في دفع الأفراد لبذل أقصى جهودهم، وعندما يغيب هذا التحفيز يتراجع الحماس، وتذبل الروح المعنوية، ويقل الالتزام بالمشروع. بالإضافة إلى كل ذلك، تضارب المصالح الشخصية أو المهنية داخل الفريق يمكن أن يخلق بيئة توتر وصراعات تعيق سير العمل، وقد يؤدي هذا العامل إلى تعثر المشروع أو عدم جودة مخرجات المشروع.

إدارة المشروع التي تركز فقط على الجدول الزمني والميزانية دون الاهتمام بهذه العوامل النفسية والسلوكية مجتمعة، تشبه قيادة سفينة بلا دفة، حيث قد تتحرك، لكنها لن تصل إلى وجهتها بأمان. إن فهم النفس البشرية، ودوافعها، وتحفيزها، وطرق بناء الثقة والالتزام، يتيح لمدير المشروع بناء فريق قوي متماسك قادر على مواجهة التحديات وتسريع الإنجاز. من هذا المنطلق، لا يمكن النظر إلى إدارة المشاريع بمعزل عن علم النفس التنظيمي أو السلوك الانساني في المنظمات أو المشاريع، الذي يوفر أدوات لفهم السلوكيات البشرية وتحفيزها بشكل إيجابي.

بناءً على ما تم ذكره، يتضح لنا أن نجاح المشاريع يعتمد على التخطيط الفني والتنظيمي والمالي، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بفهم العوامل النفسية والإنسانية التي تقف خلف كل مهمة وكل هدف. إن الاعتراف بأهمية هذه العوامل في إدارة المشاريع يعيد تشكيل مفهوم الإدارة من مجرد تنفيذ مهام إلى فن بناء الفرق وتحفيزها نحو تحقيق رؤية ورسالة مشتركة. لذا، على مديري المشاريع أن يدمجوا بين المهارات التقنية والمهارات الإنسانية السلوكية ليصنعوا بيئة عمل محفزة وفعالة تضمن تحقيق النتائج المرجوة. ولا شك أننا نؤثر في البيئة ونتأثر بها، فالعنصر الإنساني هو الأهم في معادلة النجاح الحقيقية، وفهمه هو المفتاح الحقيقي الذي يفتح أبواب الإنجاز الحقيقي وتقدم المشاريع، وضمان عدم تعثرها أو تراجع جودتها.

د. علي محمد الحازمي

خبير وباحث اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى