كان أبناء المملكة العربية السعودية يُضرب بهم المثل في الأخلاق العالية، بل إن الغالبية العظمى منهم يُعتبرون قدوة لغيرهم؛ فمن يُخطئ يتراجع عن خطئه معتذرًا لمن أخطأ بحقه، خوفًا من الله أو استجابةً لمن يتدخل من الأقارب والأصدقاء، فتنتهي المشكلة في وقتها، وتتصافى الأنفاس، وتعود المياه إلى مجاريها، ويعود الودّ إلى سابق عهده.
أما اليوم، فحدِّث ولا حرج؛ فقد أصبح الاختلاف سائدًا حتى بين الإخوة في المنزل الواحد، ولم يعد أحدٌ يتحمّل الآخر. ومن يُخطئ يُصرّ على أنه على حقّ، وأن غيره هو المخطئ، حتى لو شهد الجميع على خطئه. وأصبح بعضُ الناس يُثار من أي شيء، فيلجأ إلى الانتقام بطرق غير صحيحة، معتمدًا على الكذب والتزوير رغم علمه بأنه مكشوف للجميع.
لقد كان حضور المناسبات في السابق يضفي جوًا من الفرح والسعادة، مما يشجع الجميع على حضور كل مناسبة يُدعون إليها. أما اليوم، فإن السعيد من لم يتلقَّ دعوة! حتى إن بعض المدعوين يبحث عن عذر يقدّمه إلى الداعي ليُعفيه من الحضور، وكل ذلك بسبب ما يحدث في كثير من المناسبات من فوضى ومشاكل من أشخاص اعتادوا هذا السلوك، ومن أنصارهم الذين يزيدون النار اشتعالًا لتكتمل سعادتهم. بينما يستغلّ آخرون الموقف فيقومون بتصوير الحادثة ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة عدد المتابعين، مما يضاعف الاحتقان ويجرّ إلى مزيد من العداوات والكراهية والفرقة بين أفراد المجتمع.
لقد حثّنا الإسلام على الأخلاق الحميدة لما لها من تأثير في تماسك المجتمع، وأوصى بكل الخصال الفاضلة المتمثلة في الكرم والعفّة والصدق والأمانة والشهامة والحياء وغيرها. ومن حُرم منها فقد حُرم خيرًا كثيرًا، وسيكون معول هدم في المجتمع.
قال صلى الله عليه وسلم: “أقربكم مني منزلةً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا بين الناس”، وقال أيضًا: “ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء”.
إننا أمام مشكلة كبيرة إذا لم نتنبه لها فستكون خطيرة على مجتمعنا، وأكبر دليل ما تشهده الساحة الرياضية من تنابز بألقاب مخلة؛ فكل مشجع يحاول أن ينتقي أفْظَع الشتائم والسباب ليشفي بها غليله من مشجع لنادٍ آخر، وللأسف هناك من يصفق له ويطالبه بالمزيد، رغم أن من اعتدى عليه وطعنه بسهام غضبه قد يكون أقرب الناس إليه، فكل بيت توجد فيه ميول مختلفة.
إن ترك الحبل على الغارب ستكون له نتائج عكسية على مجتمعنا، ونحتاج إلى إيقاف كل من يسيء لسمعة وطننا، بعد أن أصبح العالم — كما يُقال — قرية مكشوفة للجميع.





