المقالات

الركن الثالث من أركان القيادة التربوية: القوة

قال تعالى:
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
والمقصود بالقوة هنا: القوة الشاملة لقوة العقل، والجسم، والإرادة، والحواس، وانتفاء أضدادها من الضعف، والتردد، والخوف، وضعف البصر والبصيرة. وجوهرها وخلاصتها: ألا يؤخَّر عمل اليوم إلى الغد.
• فالقوي يستطيع إبداء الرأي بوضوح، واتخاذ القرار بعدالة، وإصدار الأحكام باتزانٍ ورويّة، ويجتاز العقبات والصعوبات، ويحطم المعوّقات، ويجتهد في بلوغ الغاية ما دامت تحقق المصلحة. ويتخذ قراره وفق ما يتطلبه الموقف وصالح العمل، وينظر للأمور نظرة شمولية، فلا يمنعه ضعف ولا تطغيه قوة.
• كما أنه ينظر إلى زملائه نظرة عادلة، ويجعل ميزان التفاضل بينهم إتقان العمل وإحسانه في الوقت المحدد، وبهذا يحارب الشللية، ويشجع المنافسة الشريفة.
• أمّا الضعيف فيتردد خوفًا وقلقًا، فيقدّم رجلاً ويؤخر أخرى حتى تفوت المصلحة ويقع المحذور، أو يعطي رأيه وفق رأي رئيسه أو بعض مرؤوسيه، أو يتجنب المواقف الحادة خشية الوقوع في صعوبات مع رؤسائه أو مرؤوسيه.

وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير. ونصح أمته ألّا يتولى شؤونها من هو ضعيف، لا يقدر على القيام بأعبائها؛ كما في حديث أبي ذر – رضي الله عنه – حين قال:
«قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها».

وعلى من كُلِّف بشيء من ذلك، أن يفكر مليًا، ويستخير الله – سبحانه وتعالى – ويُميِّز قدرته على تحمل أعباء ما كُلِّف به: هل يستطيع أداء ما عليه؟ كما يجب أن يحرص على ألا تُؤتى مصالح المستفيدين من قِبله، وإلا وجب عليه الاعتذار، حتى لا يقع في المساءلة في الدنيا والآخرة. فإن سلم منها في الدنيا فلن يسلم منها يوم القيامة؛ لأنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها.

الركن الرابع: الحكمة

الحكمة: وضع الشيء الصحيح في مكانه الصحيح بطريقة صحيحة، وهي العلم النافع، والعمل الصالح، والفهم الدقيق للواقع، والإصابة في القول والعمل. أي أن يكون القائد التربوي مصيبًا في أقواله وأفعاله، قادرًا على وضع الأمور في نصابها الصحيح.
• فالقائد التربوي الحكيم يتوخّى الحكمة في لَحظِه ولَفظِه، وفي قراراته وأحكامه واختياراته وتكليفاته، وفي توصيف المهام، وإعداد الخطط، وتبنّي المبادرات والمشاريع وتوقيتها، وترتيب الأولويات، وإصدار الأوامر، وفي تقديره للأمور ونظرته الشاملة.
• فلا خلل ولا زلل، ولا ريث ولا عجلة، بل عدلٌ وإنجازٌ وضبطٌ للأمور، ووضعها في نصابها الصحيح ومسارها السليم؛ لتتحقّق الطمأنينة في المؤسسة، ويتعمق الانتماء، ويسكن الأمن والإبداع جسد الإدارة، وتنمو المنافسة الشريفة والأخوة الصادقة.

قال تعالى:
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة 269)

خلاصة القول

إن الأمانة تمنع من الظلم والضياع والغش والخيانة، وتحقق التقوى والخوف من الله.
والإيمان يعصم صاحبه من الهوى، والعلم يعصمه من الخطأ؛ لأنه كالبصر الذي لا تُرى الأشياء بدونه.
والقوة تمكّن صاحبها من أداء ما كُلِّف به على الوجه الأكمل.
والحكمة تجعله يقدّر الأمور تقديرًا سليمًا، ويضعها في نصابها الصحيح ومسارها السليم.

فإذا اجتمعت هذه الأركان الأربعة في القيادة؛ تحقق لها النجاح، وأصبحت قيادة متعلمة، آمنة، ملهمة، منجزة، محققة لأهدافها، مؤدية لواجباتها.

وبهذا القدر نكون قد أتممنا توضيح أركان القيادة الأربعة، وأجبنا على السؤال: لماذا هذه الأربعة؟
وسنكون معكم الأسبوع القادم بإذن الله في موضوع آخر ذي صلة بالقيادة التربوية.
وإلى ذلك الحين، نستودعكم الله.

• مدير عام التعليم بمنطقة مكة – سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى