أذكر أن مرة كان لنا جارٌ آخر وله أبناء، ولكنه كان شديدًا عليهم لدرجة الاضطهاد؛ والضرب بالخيزران عنده كشرب الماء، وربما أسهل، بحكم أن شرب الماء يحتاج تبريدًا وتبخيرًا بالمستكا.
وأعتقد لو أن أغنية «لالا يا الخيزرانة» قد ظهرت في ذلك الوقت، لكان الأب يضرب والابن يصيح: «لالا يا الخيزرانة… في الهواء لوّحوا بك».
المهم، طلبني ذلك الابن استعارة الكتب ليقرأها، فأعطيته إياها، ومن ضمنها ثلاثة أجزاء للظاهر بيبرس.
وفي عودتي من المدرسة في اليوم التالي، أفاجأ بكل تلك الكتب مقطّعة ومتناثرة أمام منزل ذلك الرجل، والذي أصلًا بيته أمام منزلنا.
وأكيد ذلك الولد أكل ما لذّ وخاب من العذاب.
فدخلتُ البيت وأنا أبكي بشدة، وأمي – رحمها الله – فُجِعت وقالت:
«مالك؟»
ثم سألت: «المدرس عاقبك؟»
فنفيتُ، وحكيتُ القصة لها.
وفي هذه الأثناء، سمع بكائي ضيف أبي، العم الأثير خلف – رحمه الله – ففي ذلك الزمان، وبحكم صغر المنازل، الحيطان لها آذان.
وكان العم خلف نعم الرجل؛ سمع قصتي وكيف أن الكتب مزِّقت، وأن المكتبة سيكون موقفي منها سيئًا، وأيضًا أجزاء قصة الظاهر بيبرس التي كنتُ أسلّي بها أوقاتي عندما لا توجد كتب أخرى.
فاستأذن العم خلف من الوالد بالخروج، وبعد ساعتين إذا هو عائد؛
فقد ذهب إلى المكتبة وسدّد ثمن الكتب، وأحضر معه الأجزاء الستة كاملة، وقال:
«لا تزعل يا شيخ أسعد… ولا يكون خاطرك إلا طيب.»
وكنتُ لأول مرة في حياتي أسمع كلمة شيخ، ويبدو أنها كانت — والحمد لله — آخر مرة، ما عدا عندما يتحدث البعض عن عمدة الحارة ويروون عنه: «قال شيخ الحارة كذا، وفعل كذا».
هذا عندما كان شيخ الحارة الإنسان الحاكم بأمره في الحارة، فكانت معظم مشاكل الحارة لا تتجاوز مركزه المحترم البهي، فلا تُشغِل الشُّرَط إلا بالشديد القوي.



