حوارات خاصة

طرق الحج القديمة تتحدث عن أجيال مضت

صحيفة مكة الإلكترونية / جدة

منذ أن فرض الله الحج على المسلمين في السنوات الأولى من الهجرة وقلوبهم مشدودة إلى بيت الله العتيق، لتأتيه من كل فج عميق ، فظلت الركبان تفد إلى مكة عبر دروب مختلفة ومن أقطار شتى.
ونشأت من طرق الحج منافع متنوعة، منها الدينية ، والثقافية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والعمرانية ، وما فيها من وقائع تاريخية من هجرات في صورة فردية أو جماعية، نقلت عبر هذه الطرق الكتب، والأموال , والصناعات ، إلى جانب العادات والتقاليد ، والثقافات، والأفكار، والمهارات، بالإضافة إلى الأثر البالغ في صياغة مجتمعات إسلامية متلاحمة الأواصر ، متقاربة العادات والتقاليد برغم تباعد ديارها واختلاف لهجاتها وأعراقها، ترى ذلك في تشابه بعض العادات والملابس والأدوات التي كان الحج مصدراً لتقاربها .

ولقد مر أكثر من أربعة عشر قرناً على هذه الحركة السنوية عبر طرق الحج في الإسلام، ونشأت عن ذلك وقائع تاريخية كثيرة، وتكونت علاقات بين الأفراد والشعوب لا تحصى، وأثمرت هذه العلاقات نتائج عديدة ومفيدة على طول طرق الحج.
وكان المسلمون يتحملون جميع أنواع المصاعب في السفر من أقاصي الدنيا إلى بيت الله الحرام في كل عام، تحت ظلال الشراع في البحر وعلى ظهور الإبل في البر، ومنهم من يختار المشي على الأقدام ويتمثل قوله تعالى (( [COLOR=green]يأتوك رجالاً [/COLOR])).

واهتم الخلفاء بطرق الحج ، ودليل ذلك ظهور وظيفة أمير الحج الذي يقوم برعاية الحجاج ,ومن مظاهر اهتمام الخلفاء بطرق الحج ، أنهم أقاموا محطات على الطرق ، وحددوا المسافات بين المحطات ، ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب ( 13 – 23 هـ / 634 – 644 م ) بذلت عناية خاصة بالطريق ما بين المدينة المنورة و مكة المكرمة , فاهتم الخليفة عمر بن الخطاب بإنشاء الاستراحات والنزل في المدينة المنورة , ليتمكن الحجاج والمارة من النزول بها خلال سفرهم .

وهناك [COLOR=crimson]سبعة طرق رئيسية [/COLOR]كانت تأتي من أنحاء الدولة الإسلامية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة هي [COLOR=crimson]طريق الكوفة [/COLOR],مكة المكرمة , ويعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي , واشتهر باسم درب زبيدة نسبة إلى السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد التي أسهمت في عمارته فخلد ذكرها على مر العصور .

واستخدم الطريق بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق , وأخذ في الازدهار منذ عصر الخلافة الراشدة , وأصبح استخدامه منتظماً وميسوراً بدرجة كبيرة , إذ تحولت مراكز المياه وأماكن الرعي والتعدين الواقعة عليه إلى محطات رئيسية .

وفي العصر العباسي , أصبح الطريق حلقة اتصال مهمة بين بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء الجزيرة العربية , وأهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة , كبناء أحواض المياه وحفر الآبار و إنشاء البرك وإقامة المنارات, كما عملوا على توسيع الطريق حتى يكون صالحاً للاستخدام من قبل الحجاج والمسافرين ودوابهم .

وتشير المصادر التاريخية والجغرافية أن مسار الطريق خطط بطريقة عملية وهندسية متميزة , حيث أقيمت على امتداده المحطات والاستراحات , ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة , فضلاً عن تزويده بالمنافع والمرافق اللازمة من آبار وبرك وسدود , كما أقيمت عليه علامات ومواقد توضح مساره ليهتدي بها المسافرون , فمنذ بداية الدولة العباسية , أمر الخليفة أبو العباس السفاح بإقامة الأميال " أحجار المسافة " والأعلام على طول الطريق من الكوفة إلى مكة , في عام 134هـ / 751 م .
ومن بعده أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بإقامة الحصون وخزانات المياه على طول الطريق , على حين آخر أمر الخليفة المهدي ببناء القصور في طريق مكة , كما أمر أيضاً الخليفة هارون الرشيد بحفر الآبار وإنشاء الحصون على طول الطريق , وقد عين الخلفاء ولاة يشرفون على الطريق ويتعهدونه بالصيانة .

ويبلغ عدد المحطات الرئيسة في هذا الطريق سبعاً وعشرين محطة , ومثلها محطات ثانوية تسمى كل منها " متعشى " , وهي استراحة تقام بين كل محطتين رئيستين , إلى جانب مسارات فرعية أخرى منها طريق معدن النقرة المدينة, ويبلغ طوله ( 265 ) كيلومتر , وأهم محطاته العسيلة , المحدث , بطن نخل , الحصيلك , المكحولين , السقرة , الطرق , الركابية , المدينة، هذا ويلتقي طريق البصرة مع طريق الكوفة في معدن النقرة .

وازدهر [COLOR=crimson]طريق الكوفة [/COLOR]- مكة المكرمة في العصر العباسي الأول , وبعد انقضاء عصر الخلفاء الأقوياء تعرض الطريق لهجمات القبائل والقرى المحلية الثائرة , ففي أواخر القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع تعرضت بعض محطات الطريق للتخريب والتدمير, مثل محطة الربذة , ونجم عن ذلك اندثار معالم الطريق وتوقف الحجاج عن استخدامه إلا في حالات توافر الحماية .

وبعد سقوط بغداد على أيدي المغول عام 656هـ / 1258 م تعطل الطريق واندثرت معظم محطاته وأصبحت مجرد أطلال , وأوضحت الدراسات الأثرية أن المنشآت المعمارية على طريق الكوفة – مكة تمثل نمطاً معمارياً فريداً للعمارة الإسلامية , لتميزها بدقة التصميم وجودة التنفيذ , فقد بنيت قصور الطريق وحاناته بجدران سميكة وزودت بالمرافق والخدمات , كما بنيت البرك بأشكال مستطيلة ومربعة ودائرية , وتدل عمارة البرك على مدى براعة المسلمين في إقامة المنشآت المائية .

أما [COLOR=crimson]طريق البصرة – مكة المكرمة [/COLOR]يعد الطريق الثاني في الأهمية , حيث ينطلق من مدينة البصرة ماراً بشمال شرق الجزيرة العربية عبر وادي الباطن مخترقاً عدة مناطق صحراوية أصعبها صحراء الدهناء , ثم يمر بمنطقة القصيم التي تكثر فيها المياه العذبة والوديان الخصبة والعيون , وبعدها يسير الطريق محاذياً لطريق الكوفة – مكة المكرمة حتى يلتقيان عند محطة أم خرمان " أوطاس " التي تقع على مسافة عشرة أميال من موقع ذات عرق , كما يلتقي طريق البصرة بالطريق الرئيسي الممتد من الكوفة عند منطقة معدن النقرة التي يتفرع منها طريق يتجه إلى المدينة .

ويبلغ طول الطريق حوالي 1200 كيلو متر , وعلى امتداده توجد سبع وعشرون محطة رئيسية , منها أربع محطات تقع حالياً ضمن حدود الأراضي العراقية والكويتية , وهي المنجاشية ، الحفير , الرحيل , الشجي , أما باقي محطات الطريق فتقع في أراضي المملكة العربية السعودية , وأولها الرقيعي ومنها يتجه الطريق نحو الجنوب الغربي , مروراً بالأجزاء الشمالية الشرقية للمملكة حتى يصل إلى ضرية, ويمر بعدة قرى ومنازل للمياه منها جديلة فالدفينة ثم يمر بقبا ومران حتى يصل إلى أم خرمان " أوطاس " شمال شرق مكة المكرمة .

وتعد فترة القرن الأول الهجري إلى القرن الثالث الفترة الذهبية لهذا الطريق , حيث شهد الطريق خلال القرن الأول عناية من ولاة البصرة الأمويين , وبخاصة الحجاج بن يوسف الثقفي , الذي سلك هذا الطريق إلى مكة , وفحص المياه في المحطات التي مر عليها على طول الطريق ليعرف مدى جودتها .

وزاد الاهتمام بالطريق حيث سلكه عدد من الخلفاء في رحلتهم إلى الحج مثل أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد , غير أن الطريق دخل منذ نهاية العصر العباسي الأول (132-232هـ ) مرحلة الإهمال .
ولم يبقى من آثار الطريق إلا بعض الآبار والسدود والقصور المهملة , وتوجد آثار مهمة للطريق في منطقة القصيم , ففي الأسياح توجد أطلال قصر كبير مبني بالحجارة له بقايا عقود نصف دائرية , وبالقرب منه آثار العيون والقنوات القديمة والبرك والسدود وفي ضرية لا تزال آثار البلدة القديمة باقية .

ويلاحظ أن بعض محطات الطريق استمر فيها الاستيطان الحضاري أو بالقرب منها بسبب توافر المياه والمناطق الرعوية,كما أن بعض المحطات اختفت معالمها تحت الكثبان الرملية ومن المحطات المهمة على طريق البصرة بركة الخرابة الواقعة عند التقاء الطريق مع طريق الكوفة بالقرب من أم خرمان وذات عرق , وهي عبارة عن بركة دائرية لها مصفاة مستطيلة تصل إليها المياه بواسطة قناة أرضية مسقوفة تمتد من وادي العقيق .

ومن الطرق أيضاً [COLOR=crimson]طريق الحج المصري [/COLOR]يسير حجاج مصر و من رافقهم من حجاج المغرب والأندلس وإفريقيا من بلادهم متجهين إلى شبه جزيرة سيناء للوصول إلى أيلة " العقبة " وهي أول محطة لطريق الحج المصري في الجزيرة العربية , وبعد أيلة تمر قوافل الحجاج على حقل , ثم الشرف ,ثم مدين " مغائر شعيب – البدع " .وكان لحجاج مصر طريقان بعد رحلتهم من مدين أحدهما داخلي , والآخر ساحلي .

ويتجه الطريق الداخلي إلى الجنوب الشرقي ماراً بشغب ثم بدا , ثم منطقة وادي القرى إذ يلتقي في السقيا " الخشيبة " بطريق الحج الشامي ليسير معه إلى المدينة المنورة , وأما الطريق الساحلي فيمر على محطات عدة بعد مدين , منها : عينونا ,ثم النبك " المويلح " ثم ضباء , ثم العويند , ثم الوجه , الحوراء , ثم " مغيرة – نبط ", ثم ينبع , ثم الجار ومنها إلى مكة المكرمة مروراً بالجحفة , ثم خليص , ثم عسفان , أو إلى المدينة المنورة مروراً ببدر , ويعد الطريق الداخلي هو الأكثر استخداما خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى , ثم زاد استخدام الطريق الساحلي بعد ذلك التاريخ .
واستمر سفر الحجاج على الطريق الساحلي حتى منتصف القرن الخامس الهجري ,ثم تحولوا إلى السفر بحراً عبر طريق عيذاب بسبب الأحداث التي شهدتها مصر في العصر الفاطمي , وما نتج عنها من عجز الفاطميين عن دفع نفقات الطريق , ثم بسبب احتلال الصليبيين لأيلة, وهي أهم محطة على الطريق , ومعبره الوحيد إلى الجزيرة العربية .

وتوقف الطريق قرابة قرنين من الزمان تركت آثار سيئة على عمارته. وفي عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس عادت حركة الحجاج إلى
الطريق البري الساحلي , ابتداء من حج عام 667 هـ .

وطوال العصرين المملوكي والعثماني كانت قوافل حجاج مصر ومن رافقهم تتجمع في بركة الحاج القريبة من القاهرة , ثم تسير على درب السويس , وتمر على البويب , ثم عجرود ثم تعبر شبة جزيرة سيناء وتتجة إلى خليج العقبة و تمر على عدة منازل أهمها المنصرف ، ونخل ، وبئر القريص ، وعرقوب البغلة ، وسطح العقبة ، ثم تهبط نقب العقبة فتصل إلى عقبة أيلة .

وترحل بعدها من عقبة أيلة متجهة إلى حقل وظهر الحمار والشرف ثم تصل إلى مغائر شعيب ، وتسير باتجاه الجنوب الغربي حتى تصل إلى عينونة ، ثم تمر على عدد من المنازل أهمها المصلى " شرمة " ، و تريم ، والنبك " المويلح " ووادي الغال " وادي القسطل " وضباء ، والأزنم وبركة عنتر وقلعة الوجه و بين النهدين ووادي العرجاء ، وبركة أكرا ، وبئر القروي ، والحوراء ، ونبط ، ووادي النار ، و الوعرات السبع ، والدهناء ، وواسط ثم تصل إلى بدر . ومن بدر ترحل إلى رابغ ثم خليص ثم عسفان لتصل إلى مكة المكرمة ، بعد أن تكون قضت شهراً كاملا على الطريق بين القاهرة ومكة المكرمة .

وظل الطريق البري الساحلي في خدمة قوافل الحجاج المصريين حتى عام 1310 هـ ، وبعد هذا التاريخ عاد الحجاج المصريون مرة أخرى إلى السفر بحرا من السويس إلى جدة على ظهر السفن البخارية و الشراعية .
وحظي طريق الحج المصري باهتمام الحكام المسلمين في الفترة الإسلامية المبكرة ، حيث أقاموا عليه البرك و حفروا الآبار ، و مهدوا العقبات الصعبة ، و بنوا المساجد في بعض محطاته , فقد نظف خمارويه بن أحمد بن طولون عقبة أيلة من الحجارة . وأقيمت سبع آبار في ضباء لخدمة الحجاج ، وصفها العذري الأندلسي في بداية القرن الخامس الهجري , كما بنيت مساجد ببدر على أيدي ملوك مصر ، كما أقيمت بركة وقناة بخليص .

ووجدت مئات النقوش العربية على هذا الطريق نقشها الحجاج على صخور في محطاته و على طول مساره تذكارا لمرورهم , وتوجد أيضاً آثار معمارية ترجع على تلك الفترة بعضها على مسار الطريق الداخلي مثل بركة النابع الواقعة جنوب مدينة ضباء , وبركة بدا ، وآبار بلاطة ، وبعضها الآخر على المسار الساحلي مثل بركة مدين ، و بركة الجار ، هذا فضلا عن المدن التي كانت عامرة على الطريق مثل مدين ، وعينونا ، والعونيد ، والحوراء ، والجار، و الجحفة ، و شغب ، و بدا .

وأما آثار العصور الإسلامية المتأخرة الباقية على طريق المصري فيذكر منها بركة البدع " مغائر شعيب " ويعود تاريخ إنشائها إلى العصر المملوكي ، وآثار المويلح التيلا تشمل بئرين من العصر المملوكي ، وقلعة الأزنم التي أنشئت في عهد السلطان المملوكي محمد بن قلاوون ، وجددت في عصر السلطان قانصوه الغوري ، وبرك عنتر التي يرجع تاريخها إلى العصر العثماني ،وقلعة الزريب بالوجه التي أنشئت سنة 1026 هـ في العصر السلطان العثماني أحمد الأول ، و بركة أكرا وآبار نبط ، و سبيل بدر وبركتها ، و جميعها آثار أنشئت في العصر المملوكي ، وجددت ووسعت عدة مرات خلال العصر العثماني .

أما [COLOR=crimson]طريق الحج الشامي[/COLOR] يربط بلاد الشام بالأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة طريق رئيس عرف باسم التبوكية نسبة إلى بلدة تبوك التي يمر عليها .
ويبدأ مساره من دمشق ويمر ببصرى الشام " درعا " ، و بمنازل أخرى أهمها أذرعات ، ومعان والمدورة " سرغ " ثم يدخل أراضي المملكة ليمر على حالة عمار ، ثم ذات الحاج بتبوك ، ثم الأقرع ، ثم الأخضر الذي تقع فيه محطة المحدثة ، ثم محطة المعظم ، ثم الحجر ، ثم العلا ثم قرح .

ولم يتغير مسار الطريق بين تبوك والعلا طوال العصور الإسلامية ، إلا أن بعض محطات هذا الجزء حملت أكثر من اسم , أما جزء الطريق الواقع بين العلا والمدينة فقد كان له مساران مسار قديم استخدم إلى القرن السادس الهجري ، و مسار آخر استخدم بعد القرن السادس الهجري , ففي القرون الأولى كان مسار الطريق يتجه إلى المدينة مرورا بالرحبة ، ثم بذي المروة ، وبعدها بذي مر ، ثم بالسويداء ، ثم بذي خشب , أما المسار المتأخر فيمر بعد العلا على قلعة الفقير " مغيرة " ، ثم على سهل المطران ، ثم بقلعة زمرد ، ثم بالبئر الجديدة ، ثم هدية ، ثم إسطبل عنتر ، ثم الفحلتين ، ثم آبار نصيف ، ثم الحفيرة .

واهتم الخلفاء الراشدون والأمويون بعمارة الطريق الشامي فوضعوا العلامات و المنارات على طول مساره ، وبنوا البرك والصهاريج والقنوات ففي العهد الأموي جددت عمارة مسجدي الرسول بتبوك وبوادي القرى وهما من مساجد الطريق , كما أمر الخليفة الوليد بن عبدالملك بوضع المنارات على الطرقات ، وحفر البرك والآبار بين دمشق ومكة ، ومثله فعل هشام بن عبدالملك.

وخلال العصر العباسي ازدهرت مدن الطريق ومحطاته ، وبخاصة الواقعة في منطقة وادي القرى مثل العلا وقرح والرحبة والسقيا , وسجلت المسوحات الأثرية وجود برك مياه وبقايا قنوات في مواقع هذه المدن ، كما وجدت على الطريق نقوش كوفية تذكارية تركها المسافرون على الطريق .

وفي بداية القرن السادس الهجري شهد الطريق الشامي فترة حرجة في تاريخه بسبب وجود الصليبين في بلاد الشام ، فقد كان الصليبيون يهددون أمن الطريق و يهاجمون قوافل الحجاج التي تسلكه من قلاعهم في الكرك و الشوبك استمرت ممارساتهم إلى أن سقطت قلعة الكرك في يد صلاح الدين سنة 584 هـ / 1188 م .
وبوصول الأيوبيين عاد النشاط و الاستقرار إلى الطريق ، ونال اهتماما كبيرا من ملوك دمشق الأيوبيين , ويعد الملك عيسى بن أيوب أكثر حكام دمشق اهتماما بالطريق وكان والده ضم عليه الكرك والشوبك وتبوك والعلا ، فسار على طريق تبوك وأمر ببناء بركة المعظم و برك أخرى ، كما أمر بمسح الطريق بين دمشق و عرفات وتسهيل مواضع كانت وعرة .

وخلال العصر المملوكي نال الطريق اهتماما متزايدا من حكام دمشق وزادت أعداد سالكيه من الحجيج ، وقدر ابن رشيد قافلة الحج الشامية التي سار معها سنة 674 هـ / 1286 م بستين ألف راحلة دون الخيل و البغال و الحمير , وتوجد على الطريق نقوش من العصر المملوكي تشير إلى ترميم بعض منشآته .

أما طرق الحج اليمنية إلى مكة المكرمة هناك اتصال بين اليمن و الحجاز منذ العصور القديمة ، لذا فقد تعددت طرق الحج اليمنية و اختلفت مساراتها ، و تعددت كذلك المدن التي تسير منها ، و لعل أهم العواصم اليمنية التي كانت تنطلق منها جموع الحجاج اليمنيين إلى مكة هي عدن، و تعز و صنعاء و زبيد و صعدة في شمال اليمن ، و كانت بعض مسارات تلك الطرق يلتقي بعضها ببعض في نقاط معينة ، مثل طريق تعز زبيد و طريق صنعاء الداخلي إلى صعدة .
وقد اشتهر من طرق الحج اليمنية إلى مكة ثلاثة طرق هي الطريق الساحلي والطريق الداخلي أو الأوسط ، والطريق الأعلى ، ولكل منها مساراته ومحطاته ، ومتاعبه التي عانى منها الحجاج قرونا طويلة , فالطريق الساحلي يمر بجوار البحر محاذياً له من الشرق ، ويبدأ من عدن فأبين مرورا بالمخنق ، فإلى عارة ، ثم عبرة ، فالسقيا ،فباب المندب ، فسماري ، ثم الخوخة والأهواب ، وغلافقة ، وهي فرضة زبيدة ، ثم نبعة ، فالحردة، ثم الزرعة ، ثم الشرجة وهي أولى مراحل طريق الحج اليمني الساحلي التي تقع في أراضي المملكة العربية السعودية .

ويسير الطريق من الشرجة إلى المفجر ، فإلى القنيدرة ، ثم عثر ، ثم بيض ، ثم الدويمة ، ثم حمضة ، ثم ذهبان ، ثم حلين ثم قرما ، فدوقة ، إلى السرين وهي ملتقى طريق الساحل مع طريق الداخل ، ومنها يفترقان أيضا كل في جهته ، حيث يسير الساحلي صوب الليث فالشعيبة إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة .

أما [COLOR=crimson]الطريق الداخلي[/COLOR] فهو تهامي أيضا و يعرف باسم الجادة السلطانية ويبدأ من تعز ، ويمر بذات الخيف ، فموزع ، ثم الجدون ، ثم حيس ، ثم زبيد ، إذ تتجمع فيها القوافل التي تسلك طريق الجادة السلطانية ، ومنها تنطلق في سيرها إلى مكة المكرمة مارة بفشال والضنجاع ، والقحمة ، والكدراء والمهجم ، ومور، والواديين ، والساعد ، وتعشر ، وجازان ، والهجر ، وبيش ، إلى ضنكان ، ومنها يتجه الطريق إلى المقعد فحلي العليا ثم يبه ثم قنونا ثم عشم ثم دوقة فإلى السرين حيث يلتقي بالطريق الساحلي . و منها يفترق في مساره الداخلي إلى الليث ، فالخضراء ، ثم سعيا ، فيلملم ميقات أهل اليمن حتى مكة المكرمة .

أما [COLOR=crimson]الطريق الأعلى[/COLOR] ، فيعرف باسم الطريق الجبلي ، ومركز انطلاقه صنعاء ويتجه الطريق إلى صعدة ، ومنها إلى العرقة ، ثم المهجرة ، ثم أرينب ، ثم سروم الغيض ، ثم الثجة ، ثم بيشة ومنها إلى تبالة ، فالقريحاء ثم كرى ، ثم تربة ، ثم الصفن ، ثم العنق ، ثم رأس المناقب ، و هي منتهى الطريق في اتجاه الشمال ، وينحرف في سيره صوب الغرب إلى قرن المنازل ، وهو ميقات أهل اليمن الذين يمرون من تلك الجهة ، و يتجهون محرمين صوب مكة مجتازين الزيمه ، و الطائف عن طريق السيل .
ومن أهم الطرق التي كانت مفضلة لدى الحجاج بيت الله الحرام القادمين من طريق اليمن الطريق الذي يمر بشمال اليمن و يخترق منطقة عسير الجبلية إلى أن يصل إلى الطائف ثم إلى مكة , وعلى الرغم من أن الطريق يجتاز مناطق ذات طبيعة تضاريسية صعبة ، إلا أنه كان مفضلا للحجاج وغيرهم لأنه يمر عبر أراض خصبة دائمة الخضرة وقرى و بلدات تتوافر فيها المياه و يكثر بها الغذاء .

ومن تلك الطرق [COLOR=crimson]طريق الحج العماني [/COLOR]إلى مكة المكرمة هناك طريقان من عمان إلى مكة , أحدهما يتجه من عمان إلى يبرين , ثم إلى البحرين , ومنها إلى اليمامة , ثم إلى ضريه , وتشير المصادر الجغرافية إلى أن ضريه كانت ملتقى حجاج البصرة والبحرين , حيث يفترقون بعدها إذا انصرفوا من الحج , فيتجه حجاج البصرة شمالاً وحجاج البحرين باتجاه اليمين , كما كان بإمكان القوافل القادمة من عمان اجتياز منطقة الأحساء لتلتقي بطريق اليمامة مكة المكرمة .

وهناك طريق آخر لحجاج عمان يتجه إلى فرق , ثم عوكلان , ثم إلى ساحل هباه , وبعدها إلى شحر , ثم تتابع القوافل سيرها على أحد الطرق اليمنية الرئيسة المؤدية إلى مكة , حيث يمكنهم أن يسلكوا أحد الطريقين طريق الحج الساحلي الموازي للبحر الأحمر , والذي يمر بمخلاف عك والحردة ومخلاف حكم , وعثر ومرسى ضنكان , والسرين حتى الشعيبة , ثم جدة فمكة المكرمة , أو الطريق الداخلي من اليمن إلى مكة مروراً بعدد من المنازل بعضها لازال معروفاً حتى اليوم مثل رنية وتربة .

أما [COLOR=crimson]طريق حج البحرين [/COLOR]- اليمامة – مكة المكرمة يشكل طريق البحرين – اليمامة رافداً مهماً من روافد طريق حج البصرة , وذلك لما له من أهمية ، إذ أنه يعبر الأجزاء الوسطى من الجزيرة العربية , ماراً بالعديد من بلدانها وأقاليمها , ويربط بين الحجاز والعراق مركز الخلافة العباسية وقد حظي حجاج هذا الطريق برعاية الدولة الإسلامية وخصوصاً في توفير الخدمات المهمة , وحماية الحجاج السائرين عليه من أي اعتداء يقع عليهم من قطاع الطرق .

وأشار الجغرافيين المسلمين الأوائل إلى التقاء طريق اليمامة مع طريق حج البصرة إذ لليمامة طريقان إلى مكة , طريق من القريتين , وطريق على مرات وبعد التقاء طريق البحرين بطريق البصرة في ضرية , يمر الطريق عبر محطات جديلة , وفلجة , والدفينة , وقبا , ومران , ووجرة , وأوطاس , وذات عرق ، والبستان , حتى يصل إلى مكة المكرمة .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. معلومات شيقة

    و يبقى بيت الله محط الأنظار في كل صلاة و حين ذكر أو دعاء

    بارك الله فيكم و في طرحكم القيم

  2. الحمد لله الذي قيض لهذا الدين من يرفع رايته ويسهل مهمة العباد الى اداء مناسكهم

    في بلد الحرمين الشرفين على مر العصور بإفضل ما يصل اليه الانسان من امكانيات

    وتقنيات وها نحن اليوم في عهد نا الزاهر تتقلص المتاعب والمصاعب الى اقل كلفه

    وجهد واصبح ضيوف الرحمن من الداخل والخارج لا يعانون في اي مشقه في اداء

    مناسك الحج وان شاء الله يكون القادم اسهل ومن حسن الى احسن بفضل الله عز

    وجل ثم بفضل جهابذة الدين من الخلفاء والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم

    ومن الروؤساء وملوك هذه البلاد المعطاه التي خصها الله بهذا الشرف العظيم

    مقال رائع وتدرج تاريخي مشرف

  3. معلومات شيقة

    و يبقى بيت الله محط الأنظار في كل صلاة و حين ذكر أو دعاء

    بارك الله فيكم و في طرحكم القيم

  4. الحمد لله الذي قيض لهذا الدين من يرفع رايته ويسهل مهمة العباد الى اداء مناسكهم

    في بلد الحرمين الشرفين على مر العصور بإفضل ما يصل اليه الانسان من امكانيات

    وتقنيات وها نحن اليوم في عهد نا الزاهر تتقلص المتاعب والمصاعب الى اقل كلفه

    وجهد واصبح ضيوف الرحمن من الداخل والخارج لا يعانون في اي مشقه في اداء

    مناسك الحج وان شاء الله يكون القادم اسهل ومن حسن الى احسن بفضل الله عز

    وجل ثم بفضل جهابذة الدين من الخلفاء والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم

    ومن الروؤساء وملوك هذه البلاد المعطاه التي خصها الله بهذا الشرف العظيم

    مقال رائع وتدرج تاريخي مشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى