حوارات خاصة

الدكتورة بدرية الغامدي: التعليم في المملكة يواكب التجديد باستمرار.. والقيادة تدعمه لدفع عجلة الاقتصاد الوطني

حوار :   آمال محمد 
لاشك أن التعليم والعلم أصبح من الأولويات الرئيسية في المملكة في ظل رؤية ٢٠٣٠، نظرا لما له من أهمية كبيرة في الارتقاء والتطور والتنمية الذين تنشدهم البلاد في الفترة المقبلة.
وتعتبر الدكتورة بدرية سعيد جمعان الغامدي واحدة من الشخصيات البارزة التي تعمل في مجال التعليم ولها إسهامات سابقة وحاضرة في المجال العلمي، لذلك حرصت “مكة” الإلكترونية على مقابلتها ومعرفة تاريخها العلمي وخططها المستقبلية ورؤيتها لمدى اختلاف وتطوير العلم حاليا بالمملكة عن السنوات الماضية، عبر الحوار التالي:

** هل تعرفي القراء على شخصك الكريم؟
بدرية سعيد علي جمعان الغامدي، زوجة وأم لخمسة أبناء حفظهم الله، مديرة مدرسة بمنطقة الباحة وباحثة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حاصلة على ماجستير القيادة التربوية من جامعة الباحة، مدربة في الإدارة والتخطيط التربوي مهتمة بالتدريب والعمل التطوعي.

** حدثينا عن مولدك ونشأتك وحياة الطفولة؟
ولدت في قرية جميلة في جنوب غرب المملكة، يلفها الضباب معظم شهور السنة، وتغسل طرقاتها الضيقة حبات المطر، هناك حيث تنبتُ الزهور من بين شقوق صخور البيوت الحجرية، فيمتزج جمال الطبيعة وقوتها، هناك ألفت عيني رؤية المطر ومعانقة الطيور لأغصان الشجر، وطربت أذني لسماع تغاريدها، فنشأت مُحبة للطبيعة بكل تفاصيلها، هناك حيث تتشابه الجدران، وتتقارب القلوب، ويتشارك الجميع تفاصيل اليوم، يتقاسمون اللقمة وشربة الماء، هناك في قريتي الصغيرة “دار كرمين” بمحافظة بلجرشي، بمنطقة الباحة معشوقة الغيم، وُلدت وعشت طفولتي المبكرة اتنقل بين تذوق جمال ما يصنعه الكبار من فنون ونقوش اشتهروا بها، كانت تزين بيوتهم وبيوت غيرهم في القرى الأخرى، وجمال ما منحها الله من بساطة وطبيعة وتآلف وتقارب، لا يزال في ذاكرتي وذاكرة من عاشوا فترة من حياتهم في القرى، ذكريات صباح يوم العيد ورائحته، وصوت المؤذن، وقصص الجيران التي نعرف تفاصيلها فلا حواجز ولا عوازل للصوت تمنعها، وفي قريتي كنا نتسابق بين البيوت ونختبئ من بعضنا في الطرقات، في قريتي مارسنا مهمة “مندوب توصيل الطلبات” والتي كنا بسببها نعرف بيوت القرية جميعها. رائحة قهوة الأمهات وحبات من التمر قبيل المغرب حيث موعدنا لنشاهد أفلام الكرتون بكل حماس، وكأنها نافذتنا الوحيدة لمعرفة العالم كـ “هايدي، عدنان ولينا، فلونة، وغيرها……”.
عشت فترة من حياتي بين قريتي هذه بكل بساطتها وجمالها، وبين مدينة الطائف ومدينة جدة والولايات المتحدة الأمريكية بحكم عمل جدي غفر الله له، وعمل ودراسة والدي أطال الله في عمره.

** هل تعطينا نبذة عن سيرتك العلمية ومسيرتك العملية؟
حصلت على شهادة المرحلة الابتدائية من مدرسة المكارمة الابتدائية الأولى بمحافظة بلجرشي، وشهادة المرحلة المتوسطة من المتوسطة السابعة عشرة بجدة وبداية المرحلة الثانوية، ثم تزوجت وعدت لمنطقة الباحة وحصلت شهادة المرحلة الثانوية من ثانوية بلجرشي الأولى، والتحقت بجامعة الباحة في تخصص الأحياء/ قسم علم الحيوان.
عملت بعد التخرج مباشرة معلمة أحياء، وكُلفت بعد ذلك بعدد من المهام بجانب عملي كمعلمة ما بين مرشدة طلابية ومحضرة مختبر، ثم تنقلت ما بين عمل وكيلة مدرسة ومديرة مدرسة.
حصلت على ماجستير القيادة التربوية من جامعة الباحة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1435ه.
وحالياً باحثة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقسم الإدارة والتخطيط التربوي في مرحلة الرسالة وبإذن الله انتهي منها قريباً.
حصلت على عدد كبير من الدورات التدريبية ولله الحمد والفضل، في مختلف المجالات والموضوعات المرتبطة بالتربية والتعليم والتطوير والتخطيط الاستراتيجي، والتفكير الإبداعي، كما حصلت على عدد من الدورات المؤهلة لممارسة التدريب، كالمدرب المحترف وتدريب المدربين، واللغة الإنجليزية.
حضرت عدد من ورش العمل واللقاءات والمؤتمرات العلمية، وشاركت في ورش عمل رصد القضايا والمشكلات والاحتياجات الاجتماعية والظواهر السلبية في المجتمع مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، كان لي شرف تأسيس نادي التوست ماسترز للخطابة والحوار والقيادة للسيدات في الباحة.
قدمت عددا من الدورات في مراكز التدريب التابعة لتعليم منطقة الباحة، والمدارس وجامعة الباحة، والجهات الخيرية والمراكز بالمنطقة، ولا زلت أتعلم وأعلم وأتدرب وأمارس التدريب، فالتعليم والتعلم عملية مستمرة لا يمكن أن تتوقف.

** ما أبرز العقبات التي واجهتك وكيف استطعت تجاوزها؟
لا تخلو الحياة من المنغصات والعقبات، خاصة إذا تعددت المهام والمسؤوليات والأدوار التي يقوم بها الشخص في ذات الوقت، وهذه طبيعة حياة الشخص الذي له أهداف يسعى لتحقيقها ورؤية يطمح للوصول إليها، ولعل لذة الوصول للأهداف تزداد مع زيادة الصعوبات التي تواجهنا.
ومن أبرز العقبات التي واجهتني كثرة المسؤوليات والمهام التي نتجت من الجمع بين الزواج والدراسة وتربية الأطفال، والعمل فيما بعد، ثم العودة لمقاعد الدراسة في برامج الدراسات العليا (ماجستير _ دكتوراه)، ولكن توفيق الله وتسديده كان المعين الأول، والأخير، ثم دعاء والدي ووالدتي ورضاهم، وتعاون زوجي وأسرتي، ثم ما كنت أبذله من جهد وترتيب للأولويات وتنظيم الوقت.

** لكي باع طويل في الاعمال الخيرية بالمنطقة.. هل تذكري لنا هذه الأعمال؟ ومدى الصعوبة التي تواجهك في القيام بها؟
من نِعم الله علي أن طرح لي البركة في الوقت وهيأ لي المشاركة في العديد من الأعمال الخيرية التي تقدمها الجهات الرسمية ومع نخبة من الأخوة والأخوات في الجمعيات الخيرية وتحفيظ القران الكريم وجمعيات البر والمراكز الاجتماعية والصيفية ودعوة الجاليات وغيرها بالمنطقة.
شاركت بجهد المُقل كالتدريب، والتخطيط وتقديم وتنظيم وتنسيق العديد من البرامج والدورات والأنشطة مع تلك الجهات ولمختلف الفئات العمرية وفي مختلف المناسبات، وكانت أمتع وأجمل اللحظات، هي تلك التي جمعتنا بأهل الخير الباحثين عن الأجر ومساعدة الآخرين، ولابد أن مثل هذه الأعمال واجهت تحديات مثل: تأمين الوقت الكافي للقيام بها، والتنقلات بين الأماكن المختلفة والمتباعدة، وصعوبة التواصل أحياناً، ولكن بتوفيق الله ثم دعم العمل التطوعي الخيري من الجهات المسؤولة والتعاون زالت كل العقبات، وكانت لحظات مليئة بالروحانيات.

** وما أبرز الأعمال التطوعية التي تركت أثر بنفس الدكتورة؟
من أكثر الأعمال التي تركت أثر في نفسي ولا تزال، هو عضويتي في جمعية أكناف لرعاية الأيتام والأرامل وقيادتي للفريق التطوعي لرعاية الأيتام بمحافظة بلجرشي لفترة من الوقت، كنت أرى لعملي هذا أثر كبيراً في حياتي، وبركة في الوقت والجهد وصلاح الأبناء ولله الحمد والفضل، وكنا كفريق نجد سعادة عجيبة بعد كل مناسبة أو مشروع نقدمه لتلك الفئة، البسمة والفرحة التي كنا نراها في وجوه الأيتام كانت تعني لنا الشيء الكثير، كانت تغسل كل التعب والجهد.

** ما أبرز الأبحاث التي قدمتيها؟ وما هي التطورات المستقبلية لتلك الأبحاث؟
العمل في الكتابة والبحث العلمي شغف يحتاج للكثير من الوقت وصفاء الذهن، بالإضافة لامتلاك مقومات الكتابة الأكاديمية، ومهارات البحث العلمي، والتي يتم توظيفها مع خبرة الباحث ونظرته الفاحصة للمشكلات التربوية، بهدف حلها وخدمة المجتمع الذي وُجدت فيه.
وأقوم حالياً باستكمال بحث للحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة التربية في تخصص الإدارة والتخطيط التربوي في موضوع الرشاقة التنظيمية (Agility Organizational) ونسأل الله العون والتوفيق، وسبق وقدمت بحث عن معوقات ممارسة الدور القيادي لدى مديرات المدارس في منطقة الباحة وسبل مواجهتها، للحصول على درجة الماجستير في القيادة التربوية.
وشاركت مؤخراً مع الزميلة الأستاذة خلود المطيري ببحث مشترك في المؤتمر الدولي الأول للعلوم التربوية وتطوير التعليم والذي أقيم في القاهرة في الفترة 7-9 أغسطس 2023م، سينشر قريباً بحول الله تعالى، بعنوان متطلبات تهيئة طلاب المرحلة الثانوية لسوق العمل، وبإذن الله تعالى سيكون هناك مشاركات أخرى، فهناك العديد من الأوراق العلمية والبحوث التي تحتاج للاستكمال لترى النور في الوقت المناسب.

** ما الفرق بين التعليم قديماً وحديثاً من وجهة نظرك؟
التعليم عملية منظمة يتم من خلالها إعداد مواطنين قادرين على تحمل مسؤولية بناء الوطن بما يمتلكون من المهارات والمعارف والأساليب والوسائل، وسياسة التعليم في المملكة تقوم على عدد من الثوابت التي لا تخفى على الجميع، والتي تشجع على متابعة كل المستجدات والاستفادة من المعارف النافعة للتنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
ولكل فترة زمنية في التعليم ما يناسبها من التوجهات والوسائل والأدوات، والتعليم في المملكة قديماً وحديثاً مواكب لكل جديد في حينه.
وينعم التعليم حديثاً باهتمام وعناية من أعلى سلطة في الدولة، وهذا يؤكد ما للتعليم من أثر في نهضة المجتمع ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وتغييره للأفضل ونقله باتجاه التنافسية العالمية.
وأرى أن التعليم حالياً في ظل رؤية 2030 يتمركز حول الطلاب والطالبات ويسعى لتوجيههم نحو المستقبل وكلهم فخر بإرثهم الثقافي العريق، واعتزاز بهويتهم الوطنية بكل وعي وقوة وقيم وثقافة وإبداع، مع امتلاكهم للمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل، ولتحقيق ذلك تبذل وزارة التعليم جهود عظيمة للتغيير نحو مستقبل واعد.

** من الشخصية التي أثرت بنفسك؟
-منذ وعيت على هذه الدنيا، وأنا ألمس في كل موقف عشته أو شخصية قابلتها أو قرأت عنها، أو كتاب قرأته، أو مشهد تأملته، شيئاً ما، يترك أثراً في نفسي وتكوين شخصيتي، تعلمت أن الحياة أوسع بكثير من الدائرة المغلقة التي تضعنا فيها أدوارنا الاجتماعية، وأن الكون يتسع لأفكارنا وطموحاتنا وأحلامنا وأن العمر والظروف ليست عائقاً يمنعنا من التلذذ بجني ثمار الأماني العالقة بين مطرقة الممكن وسندان المستحيل.
وأثرت في نفسي كثيراً شخصية والدي الإدارية، أفكاره وانضباطه وإخلاصه وتفانيه في خدمة وطنه وتضحياته بالوقت والجهد والصحة، حبه لمجتمعه الصغير والكبير، أثر في نفسي صبر وسماحة وحنان والدتي ودعواتها التي تشبه نسمات الصبح الباردة، كتب الله أجرهما واطال في أعمارهما وأحسن عملهما.

** نظمتي العديد من الدورات المهمة في التفكير الإبداعي والإدارة والتخطيط التربوي.. حدثينا عن هذه الدورات؟ وأين تقام؟
-من أكثر الأوقات متعة لدي حضوري أو تقديمي للدورات التدريبية، وبفضل الله قدمت عدد من الدورات، لا أشك للحظة أنني أكثر المستفيدين منها، حيث يكون المجال متاح لمناقشة الأفكار وتعلم المهارات وتغيير القناعات وأحياناً، وطرح الأفكار السلبية واكتساب معلومات ومعارف جديدة وهذا منهجي في التدريب (إذا لم تتغير للأفضل أو تكتسب مهارة جديد أو تتغير قناعاتك للأحسن أو تكتسب معرفة جديدة فلا داعي لهذه الدورات).
بالنسبة للتفكير الإبداعي فقد حصلت على دورات مدرب محترف في مهارات التفكير الإبداعي (تريز) وأقدمها لطالباتي في التعليم العام، كلما سمح لي الوقت، ويتم تقديم الدورات واللقاءات العلمية في مختلف الموضوعات المرتبطة بتخصصي في عدد من الجهات الرسمية والمراكز التدريبية.

** هل لكي كلمة أخيرة نختم بها هذا اللقاء؟
-الحياة مسافة قصيرة يتخللها محطات توقف كثيرة، نتزود فيها بما يلزم لإكمال المسير فلننظر بماذا نتزود؟ وكيف نتزود؟ ولننتقي المحطات التي نتوقف عندها لشحذ هممنا، ولنحرص على حُسن الزاد، واختيار الرفيق والطريق، ولنستمتع بالرحلة.

حسن الصغير

مدير التحرير - منطقة الباحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى