تشرفت مساء اليوم الأحد 23 جمادى الآخرة 1447هـ بحضور حفل تدشين استراتيجية أوقاف المدرسة الصولتية بمكة المكرمة، أحد أهم المشاريع التعليمية الوقفية في العاصمة المقدسة، والذي يأتي برعاية الهيئة العامة للأوقاف، ويمتد تنفيذه على مدى 12 شهرًا، في خطوة نوعية تؤكد أن الأوقاف في المملكة لم تعد مجرد ذاكرة تاريخية، بل رافعة تنموية حاضرة برؤية حديثة.
المدرسة الصولتية ليست اسمًا عابرًا في سجل التعليم المكي، بل أحد أقدم الصروح التعليمية في مكة المكرمة، تأسست قبل أكثر من 157 عامًا بوقفٍ خالصٍ لوجه الله، حين بادرت السيدة صولت النساء – رحمها الله – إلى تأسيس مشروع علمي وقفي سبق عصره، وأسهم في تخريج أجيال من طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
واليوم، تعود الصولتية إلى الواجهة كمشروع تعليمي وقفي يُعاد بناؤه وفق معايير العصر.
فقد حظي المشروع برعاية محافظ الهيئة العامة للأوقاف الأستاذ عماد بن صالح الخراشي، وبحضور فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس أمناء أوقاف المدرسة الصولتية، ومدير عام التعليم بمنطقة مكة المكرمة الأستاذ عبدالله بن سعدالغنام، والمهندس مشاري الجويرة، المشرف العام على الادارة العامة للمسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي بوزارة التعليم، وعدد من القيادات التعليمية، إلى جانب عدد من المسؤولين والمهتمين بالشأن التعليمي والوقفي.
هذا الحضور يعكس تكامل الأدوار بين الجهات الوقفية والتعليمية، ويؤكد أن تطوير الأوقاف اليوم يتم ضمن منظومة مؤسسية واضحة، لا اجتهادات فردية.
يقام الوقف الجديد في نموذج يجمع بين التعليم الشرعي، والتأهيل المعرفي، وبناء القيم والأخلاق، على مساحة تتجاوز ثمانية آلاف متر مربع في حي الصفوة بمكة المكرمة، ليكون مجمعًا تعليميًا متكاملًا يضم المراحل للبنين والبنات:
• التمهيدية
• الابتدائية
• المتوسطة
• الثانوية
ويهدف المشروع إلى:
• تطوير أوقاف المدرسة الصولتية لتكون مركزًا تعليميًا عالميًا
• تحقيق الريادة بين المؤسسات الوقفية التعليمية وغير الربحية
• معالجة القضايا القانونية للأوقاف
• تطويرها ماليًا بما يضمن الاستدامة والاستثمار الآمن
تخدم المدرسة الصولتية اليوم أكثر من عشرين جنسية، حيث يلتحق الطالب بها في سن مبكرة، ويتخرج حافظًا لكتاب الله عز وجل، متسلحًا بالعلم والمعرفة، ومتشبعًا بالقيم الإسلامية الوسطية، في صورة تعكس عالمية مكة العلمية والإنسانية.
يمثل هذا المشروع شاهدًا حيًا على رعاية حكومة المملكة العربية السعودية للأوقاف التعليمية، وحرصها على تطويرها وفق رؤية استراتيجية حديثة، تجعل من الوقف أداة تنمية، لا مجرد وعاء خيري تقليدي.
فالهيئة العامة للأوقاف تضطلع اليوم بدور محوري في:
• حوكمة الأوقاف
• تطويرها تشغيليًا وماليًا
• إطلاق هويات بصرية حديثة
• مواكبة التقنيات وأساليب الإدارة المعاصرة
بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية، والعلم أساس الاستثمار الحقيقي.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر لكل الداعمين، وعلى رأسهم الهيئة العامة للأوقاف، ووزارة التعليم ممثلة في الإدارة العامة للتعليم بالعاصمة المقدسة، على جهودها في الإشراف الفني، وتقديم الدعم، وتسهيل الإجراءات، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، حتى رأى هذا المشروع النور.
ختامًا
المدرسة الصولتية اليوم ليست فقط امتدادًا لماضٍ عريق،
بل جسر وعي يصل فكرة الوقف الأولى برؤية دولة تؤمن أن العلم استثمار، وأن الوقف مسؤولية،
وأن مكة ستظل منارة علم… كما كانت دائمًا.
وقفة تقدير
في كل مناسبة أحضرها، تشدّني شخصية الأستاذ عبدالله بن سعد الغنام، مدير عام إدارة التعليم بمكة المكرمة؛ شخصية قيادية كاريزماتية تملأ المكان حضورًا قبل أن تملأه خطابًا.
ومن سمع عن الكاريزما ولم يرها، فليحضر ميدانيًا، ليرى بعينه ما لا يُدرّس في المقررات، ولا تُقدّمه الدورات التدريبية؛ فبعض القيادات تُقرأ في الكتب، وأخرى تُفهم بالمشاهدة.
لا أعرفه إلا من دقائق معدودة، لكن لغة الجسد كانت كافية لتقول الكثير. طريقة الاستقبال، أسلوب الحديث، وحرصه على توديع ضيوفه بنفس الاهتمام الذي استقبلهم به، شواهد صامتة على رُقيٍّ قيادي أصيل.
الأستاذ عبدالله الغنام لا يُنزل الناس مراتب وظيفية، بل ينزلهم منازلهم الإنسانية، وكل من يعمل في حقل التعليم يراه زميلًا في الميدان، لا مجرد موظف في منظومة، فكان طبيعيًا أن يكسب احترام الجميع دون أن يطلبه.
هي وقفة إنصاف لشخصية تؤمن أن القيادة حضور، قبل أن تكون منصبًا.


