المقالات

متحف عالمي لعين زبيدة.. انتظار يمتد لـ1200 عام

وأنا أتصفح المواقع الإلكترونية وجدت خبر إحياء وتفعيل الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لتاريخ خاصرة عين زبيدة في موسمها الثاني، وذلك ضمن الجهود المستمرة للحفاظ على المواقع التاريخية. فأتى في مخيلتي أبناء الجيل الرقمي المحاط بخيوط الشبكات العنكبوتية وقوى الأمن السيبراني، حينما يزورون الفعالية ويستشعرون إحياء منطقة الخاصرة بالفعاليات المصاحبة للجلسات العائلية وألعاب الأطفال والمسرح والحرف اليدوية.

فتاريخ الخاصرة يعد تاريخًا ممتدًا لأكثر من ألف عام، ومساهمةً من الهيئة في إحياء التراث المكاني بمكة المكرمة، الذي يهتم به المسلمون من شتى أنحاء العالم والزائرون والسائحون الذين لديهم الرغبة الجامحة في رؤية تلك الأماكن الأثرية والتراثية التي بلغ مدى ذكرها على مر التاريخ وصبت في مقلتي الزمان قصصًا وحكايا ترددها الجدات لأحفادهن قبل النوم.

فاسم “زبيدة” المنتسب إلى زبيدة بنت أبي الفضل جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسي، الشهيرة بـ”أم الأمين” زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، ارتبط في مكة المكرمة بأمرين:
الأول: “عين زبيدة”، وهي قناة من الماء شُقَّت عام 164هـ، من وادي نعمان شرق مكة إلى مشعر عرفات لتسقي الحاج والمعتمر، بعد أن لمست زوجة الخليفة زبيدة ما يلاقيه الحجاج آنذاك من تعب وجهد وشح في المياه.
الثاني: “درب زبيدة”، وهو عبارة عن برك تنتشر في مواضع معينة، وتمتد من بلاد العراق إلى مكة المكرمة، تُخزن بها مياه السيول لأطول مدة، ليستفيد منها المسافرون من الحجيج وغيرهم في تلك الدروب.

ومن المتعارف عليه أن “طول القناة يبلغ 26 كيلومترًا، وتشتمل على جزئين: الأول منها غير ظاهر (تحت سطح الأرض) ويبلغ طوله 16.35 كيلومتر، والآخر ظاهر فوق سطح الأرض ويبلغ طوله 9.47 كيلومتر. وتشتمل العين على طول امتدادها على عدد من «الخرزات» التي تسمى كذلك بغرف التفتيش، ويبلغ عددها 132 خرزة”.

وكم كنا نأمل أن نرى كل تلك المعلومات في متحف رقمي يجسد لنا تاريخ “عين زبيدة” و”درب زبيدة” بشكل حديث وبمزايا عالمية تمثل القناة المعرفية للمنطقة التاريخية التي امتدت لأكثر من ألف عام. فهي لم تعد عينًا فحسب، بل حملت المنطقة التي تقع بها العديد من القصص التاريخية مرورًا بالأزمنة التي حكمت المنطقة إلى عصرنا المزدهر، عصر المملكة العربية السعودية.

تبدأ العين من وادي نعمان وتتجه صوب مكة المكرمة، لتظهر في عرفات حول جبل الرحمة في أول ظهور لها جنوب شرقي عرفات، ثم تمر ببطن وادي عرنة، ثم على السفوح الجنوبية والغربية لجبال المنطقة بين عرفات ومزدلفة، ثم تظهر القناة مرة أخرى في حي العزيزية بمكة المكرمة وبعد جسر الملك خالد.

فرجعت بالذاكرة إلى سنوات مضت حينما كان ينادي المختصون بإعادة الحياة لعين زبيدة وإقامة متحف خاص بها، والعمل على إنشاء محمية خاصة تُسمى “محمية زبيدة”، وذلك لما تحمله من أهمية تاريخية وأثرية.

فتساءلت: لماذا لا يتم الدمج بين أقدم شبكة مائية وحداثة الشبكة الرقمية، للظهور بمعلمٍ حضاري ومعرفي يليق بالمكان والزمان الذي نحيا به، في عهد النهضة والحضارة الفكرية والثقافية والتقنية؟ يرافق ذلك مشروع تطوير وتأهيل منطقة خاصرة عين زبيدة بإنشاء متحف عالمي يحاكي تاريخ الخاصرة وأهم المراحل الزمنية التي مرت بها منذ نشأتها إلى عهدنا الزاهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى