بخيت طالع الزهراني، الكاتب السعودي الذي عودنا على اللغة السلسة والقريبة من القلب، يُطلّ علينا في أحدث مؤلفاتهِ “العصفور الحافي” 2025م، بسيرة ذاتية تُعيد تعريف هذا النوع الأدبي، لا يكتفي الزهراني بسرد تفاصيل حياته، بل يُحوّلها إلى لوحة بانورامية تُجسّد جزءًا مهمًا من تاريخ المملكة العربية السعودية الإعلامي، وتُقدّم للقارئ شهادة حية على التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها البلاد.
“العصفور الحافي”..
رحلة مضنية في دروب الذاكرة:
يُستهل الكتاب بمقدمة مُؤثرة، يُشاركنا فيها المؤلف تفاصيل رحلة الكتابة الشاقة التي استغرقت عامين من الجهد المُضني، يُشبّه الكاتب عملية استحضار الذكريات بالغوص في “تلافيف الذاكرة”، وكأنه يُشاهد “فيلمًا سينمائيًا قديمًا”، هذا التشبيه البديع يُجسّد الصراع الذي خاضه الزهراني من أجل استعادة تفاصيل حياته بدقة، ويُضفي على الكِتاب طابعًا شخصيًا وعاطفيًا عميقًا.
بنية مُحكمة.. وثلاثة أبواب تُجسّد مراحل العمر:
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسة، كل باب يُجسّد مرحلة مهمة في حياة المؤلف؛ الباب الأول “مرحلة الطفولة والشباب”، يأخذنا إلى عوالم الطفولة البريئة في بيئة ريفية بسيطة، يُقدّم الزهراني وصفًا دقيقًا للحياة في تلك الفترة، ويُشاركنا ذكريات الطفولة البريئة، وأحلام المراهقة الجامحة، والتحديات التي واجهته في بداية حياته.
في هذا الباب، تتجلى قدرة الكاتب على تحويل المواقف العادية إلى قصص مُشوقة، يروي لنا بتفاصيل دقيقة حادث السيارة الذي كاد يودي بحياته، وكيف نجا بأعجوبة من “مخالب موت محقق”، يُصوّر الزهراني هذا الموقف بأسلوب سينمائي مُؤثر، ينقل للقارئ حالة الرعب والدهشة التي انتابت الجميع، كما يروي لنا بتفاصيل مُؤثرة قصة والدته التي استقبلت خبر الحادث بصبر وإيمان، وكيف كانت أحلامها بمثابة نبوءة مُبكرة لما حدث لابنها.

الباب الثاني “تجربتي التعليمية”،
يُسلّط الضوء على تجربتهِ في مجال التعليم، ويعطي لنا الكاتب صورة حيّة عن الحياة في المدارس في تلك الفترة، والعلاقة التي كانت تربط بين المعلمين والطلاب، يتناول الزهراني مواقف طريفة ومُؤثرة صادفته خلال عمله في التدريس، ويحكي لنا شهادة حية على التحديات التي واجهت التعليم في تلك الفترة.
الباب الثالث “تجربتي الصحفية”،
يُجسّد فيها رحلة في عالم الصحافة، وشغفه بالكلمة ودوره في تسليط الضوء على قضايا مجتمعية، يُشاركنا تفاصيل بداياته في الصحافة، وكيف تعلّم فنون الكتابة الصحفية على يد أساتذة كبار، ويروي لنا بتفاصيل دقيقة تجربته في مجلة “اقرأ”، وكيف كانت هذه التجربة بمثابة مدرسة حذق فيها الكثير عن أسرار المهنة.
في هذا الباب يُقدّم الزهراني شهادة حية على التطور الذي شهده الإعلام السعودي في تلك الفترة، ويُسلّط الضوء على دور الصحافة في نشر قضايا مجتمعية، وكيف كانت الصحافة بمثابة صوت للمواطن في تلك الفترة.
…
لقاءات مع العمالقة..
شهادة على عصر ذهبي:
يسرد لنا المؤلف في كتابه مجموعة من اللقاءات مع شخصيات بارزة في المجتمع السعودي، مثل غازي القصيبي؛ فيشاركنا تفاصيل زيارته لمنزل القصيبي في البحرين، وكيف تأثر بتواضعه وكرمه، ويسجل لنا شهادة حية على شخصية القصيبي، ويُسلّط الضوء على الجوانب الإنسانية في حياته.
هذه اللقاءات تُضفي على الكتاب طابعًا تاريخيًا، وتضع للقارئ شهادة حية على عصر ذهبي شهدته المملكة العربية السعودية، ويعرّج على دور هذه الشخصيات في بناء الوطن، ويوثّق لنا نماذج مُلهمة للقادة والمفكرين الذين ساهموا في نهضة البلاد.
….
أسلوب أدبي مُشوق..
وذاكرة تُعيد تشكيل الواقع:
يتميز أسلوب الكاتب بالسلاسة والتشويق، حيث يمزج بين الوصف الواقعي والخيال الأدبي، مع استعمال لغة بسيطة وواضحة، مما يجعل الكتاب ممتعًا للقارئ العادي، فيصف الزهراني بصورة دقيقة المكان والزمان، ويُعيد تشكيل الواقع بذاكرته الثرية.
تُضفي الرمزية على الكتاب طابعًا أدبيًا عميقًا، فعنوان الكتاب “العصفور الحافي” يحمل رمزية عميقة، حيث يرمز العصفور إلى الحرية والطموح، ويرمز الحافي إلى البساطة والتحدي، هذا العنوان يُجسّد رحلة الزهراني في الحياة، وكيف تغلب على التحديات بإصرار وعزيمة.

“العصفور الحافي”.. أكثر من مجرد سيرة ذاتية:
“العصفور الحافي” ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو وثيقة تاريخية واجتماعية، وشهادة حية على التحولات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في فترة زمنية مهمة، يُجسّد الكتاب روح العصر، ويُسلّط الضوء على دور الفرد في بناء الوطن.
يُقدّم لنا الزهراني في كتابه قصة مُلهمة عن الأمل والمثابرة، وكيف يمكن للإنسان أن يُحقق أحلامه بالعمل الجاد والإصرار، مما يمنحنا نموذجًا مُلهمًا للكاتب والمثقف الذي يُسخّر قلمه لخدمة الوطن والمجتمع.