اليوم يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة في أول زيارة له بعد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة وما ينطوي عليه ذلك من دلالات، وذلك ضمن جولة خليجية تشمل إلى جانب السعودية قطر والإمارات. وهذه ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها الرئيس ترامب إسرائيل – أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- فمن الشروع في محادثات نووية مع إيران إلى محاولة إجراء محادثات مع حماس بشأن الأسرى دون علم إسرائيل، همّش ترامب نتنياهو بشكل متزايد، بما عكس لأول مرة تدهور ملحوظ وغير مسبوق في تاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية منذ حرب السويس عام 1956.
اللافت في زيارة ترامب للمملكة هو أنه بات يعلم علم اليقين أن من يحكم السعودية هي قيادة وطنية لا تتنازل عن ثوابتها، ولا تتخلى عن مبادئها، ولا تغير مواقفها الأساسية التي تمليها مصالحها الوطنية ومصلحة أمتها العربية والإسلامية.
ورغم أن الهدف الرئيس من الزيارة السعي الأمريكي لإبرام صفقات تجارية عقب فرض ترامب رسومًا جمركية شاملة وباهظة، خاصة على الصين – وهي رسوم تم تعليقها بشكل مؤقت على أية حال -، إلا أنه لا يمكن التقليل من أهمية البعد السياسي لهذه الزيارة لما سيترب عليها من نتائج مهمة.
فترامب يأتي إلى السعودية هذه المرة وفي نيته الاعتراف بدولة فلسطينية، وهذه وحدها تعد بمثابة قنبلة نووية سياسية، وهو ما كان لأحد أن يتخيله في يوم من الأيام لا سيما في ظل العلاقات الحميمة التي كانت تربطه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولعل أهم ما يمكن أن ينجم عن تلك الخطوة قيام دول الاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأخرى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية لمجاراة الموقف الأمريكي بما يعني إعادة الروح لحل الدولتين وعودة الحديث عن الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، وهنا لابد من التأكيد على أن الفضل في تحقيق هذا التغير الدراماتيكي يعود الفضل فيه بعد الله للمملكة العربية السعودية التي رفضت كافة الضغوط الأمريكية لدفعها إلى التطبيع مع تل أبيب وأصرت على أنه لا تطبيع بدون إقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشريف.
ويمكن القول استنادًا إلى هذا الموقف الجديد للرئيس ترامب أن هناك نقطة تحول في الموقف الأمريكي من قضية الشرق الأوسط تدشنها زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية، من أبرز ملامحها إضافة إلى ما سبق:
– أثبتت حرب غزة أن اعتماد واشنطن على إسرائيل كدولة حامية للمصالح الأمريكية في المنطقة منذ حرب يونيو (حزيران) 1967 لم يعد ممكنا الآن في ظل فشل إسرائيل على مدى أكثر من عام ونصف على إحراز انتصار حقيقي في غزة يحقق أي من أهدافها الثلاثة من الحرب التي شنتها على القطاع في السابع من أكتوبر 2023، لاسيما في ظل استمرار وقوع الجنود الإسرائيليين قتلى وجرحى في القطاع في تلك الحرب.
– موقف الرأي العام الأمريكي من الحرب في غزة – خاصة طلبة الجامعات – ووقوفه ضد سياسة الإبادة الجماعية والتدمير الشامل وحرب التجويع والحصار والمذابح الوحشية التي تمارسها إسرائيل ضد أهالي القطاع.
– موقف الحزب الديمقراطي الأمريكي من الحرب الظالمة التي ما زالت تشنها إسرائيل على الأبرياء، ورفضه لهذه الحرب التي تنتهك فيه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي تضرب فيها إسرائيل عرض الحائط.
– المباحثات التي تجريها الإدارة الأمريكية مؤخرًا مع إيران من جهة ومع حماس من جهة أخرى أرسلت رسالة صريحة وواضحة إلى تل أبيب بأن واشنطن اختارت لها من الآن مسارًا مغايرًا للمسار الإسرائيلي في إدارة سياستها الخارجية في اتجاه مصالحها الوطنية، وأنه لم يعد للمصالح الإسرائيلية أولوية في سلم السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد تزامن ذلك كله مع تعليق بيع العديد من الدول الأسلحة لإسرائيل، وإظهار امتعاضها من عرقلة إرسال المعونات إلى قطاع غزة.
وجاءت تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمتظاهرين الإسرائيليين في مطالبتهم نتنياهو بالأفراج عن الأسرى الإسرائيليين بأن استمرار إسرائيل في حربها على غزة يعني قتلهم بمثابة تحريض مباشر على نتنياهو.
في كل الأحوال تبدو زيارة ترامب للرياض نقطة تحول في تاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من جهة، والعلاقات الأمريكية – السعودية من جهة أخرى.

0