
لم أرغب بالخروج معه، ومع ذلك وجدتني أسير بجانبه…الشارع طويل، والريح تهزّ المدينة.
كان طوال الوقت يبحث عما يسكت القلق الذي ظلّ يتكاثر في ذاكرته.
مشيت بجواره في صمت، كمن يحمل ذنبًا لا يعرف متى وُلد.
أخذ يرمقني بين الحين والآخر. سألني: أأنت بخير؟
أردت أن أقول: لا. لكنني اكتفيت بإيماءة خاملة.
عند منتصف الطريق، أضاء هاتفه. توقف فجأة.
لم أعرف ما قرأ، لكن ملامحه تغيّرت، كما لو أن الرسالة خرجت من الشاشة واخترقتني.
رأيت ظلي يرتجف، رغم أنني لم أتحرك.
تراجعت قليلاً . لم أركض، لم أختفِ. فقط بدأت أبتعد. كنت بحاجة إلى مسافة لا تشبه الهرب، لكنها ليست بقاءً أيضًا.
شعرت بخطواته المترددة ورائي.
انحرفت نحو زقاق جانبي، لم يكن موجودًا بالأمس.
أبوابه بلا أرقام، ونوافذه المفتوحة تطلّ على فراغ الداخل.
في نهايته، لمحت مقهى قديمًا، ينساب من عتبته المكسورة ضوء شاحب. انجذبت إليه. لا أدري لماذا، ربما لأنه مهمل مثلي.
ترددت للحظة عند بابه، ثم دخلت.
جلست على الطاولة الأخيرة.
رحّب بي النادل المسنّ. شكرته بهمس، فقط لأتأكد أنني ما زلت أملك صوتًا.
كان واقفًا عند الباب. لم يكن هو تمامًا.
تحرك باتجاهي.. تابعتُه بحذر… ما زال هاتفه يبعث الرسائل. اقترب منّي كثيرا، عيناه مزدحمتان بالأسئلة، لكن صوته بقي غائبًا. نهضت، وغادرت المكان…
الريح في الخارج بدأت تهدأ، لكنني كنت أعلم أن لا شيء ينتظرني هناك.


