المقالات

تجربة شخصية في الإدارة الصديقة

في بيئات العمل المتسارعة اليوم، لم يعد كافيًا أن تُدار المؤسسات بالأوامر والتعليمات المجردة. تطورت التحديات وتغيرت احتياجات الأفراد، وأصبح من الضروري أن تتغير أساليب القيادة معها. من هذا المنطلق، تبنيت نهجًا إداريًا مختلفًا يرتكز على بناء علاقة حقيقية وإنسانية مع الفريق، علاقة قائمة على الاحترام والثقة والتقدير المتبادل. هذا النهج الذي أسميه “الإدارة الصديقة”، لم يكن مجرد اختيار تنظيري، بل تجربة حية أمارسها وأراها تؤتي ثمارها يومًا بعد يوم.

الإدارة الصديقة لا تعني التفريط في الأداء، ولا التهاون في الالتزام، بل تعني أن الحزم يمكن أن يقترن بالرحمة، وأن الإنجاز لا يتناقض مع الدفء الإنساني. إنها ببساطة فن التعامل مع الآخرين كأشخاص حقيقيين، لا كأرقام أو ملفات وظيفية. أؤمن أن بيئة العمل الناجحة تبدأ حين يشعر كل فرد فيها بأنه مسموع ومقدَّر، وأن له دورًا يتجاوز تنفيذ المهام اليومية إلى الإسهام في صناعة النجاح الجماعي.

ما أحرص عليه في هذا النهج هو أن تكون العلاقة بيني وبين الفريق علاقة قائمة على التواصل الحقيقي، لا الرسميات الباردة. أُفضّل النقاش الصادق على التوجيه المباشر، وأستمع بإنصات حتى في أكثر اللحظات انشغالًا. لا أعتبر الخطأ إخفاقًا، بل فرصة للتطوير. ولا أؤمن أن التقدير يجب أن ينتظر نهاية السنة، بل أمارسه باستمرار، بالكلمة، واللفتة، وحتى بالصمت الذي يحمل رضا.

على مدار تجربتي، لاحظت كيف تتغير بيئة العمل حين تتحول الإدارة من سلطة إلى شراكة. كيف تتحول الفرق من منفذين إلى شركاء حقيقيين. رأيت في عيون زملائي شعورًا بالانتماء لا تصنعه الرواتب، بل تصنعه الثقة. وسمعت في حواراتهم تلك النغمة التي لا يمكن شراؤها: نغمة الارتياح، والتحفيز، والاستعداد لبذل المزيد.

ما يجعل هذا النهج مختلفًا بالنسبة لي هو أنه لم يُقتبس من كتاب، ولم يُفرض من نظام. هو انعكاس لقناعة شخصية وتجربة متراكمة، أسلوب وُلِد من تفاصيل الحياة اليومية في الإدارة، وتبلور بفعل التفاعل الصادق مع من أعمل معهم. لم أسعَ فيه إلى التميز، لكنني أجدني فيه متفردًا، ببصمتي الخاصة، وصوتي المختلف، ورغبتي الحقيقية في أن أكون قائدًا يصنع الأثر لا الضجيج.

الإدارة الصديقة بالنسبة لي لم تعد خيارًا، بل أصبحت هوية. وهي الهوية التي أعتز بها، وأمضي بها بثقة، لأنها بكل بساطة: تشبهني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى