
دعونا نُعيد التفكير في دعاية “تعلم اللغة في الخارج”
في حادثة مؤلمة هزت الشارع السعودي، قُتل طالب سعودي يبلغ من العمر 21 عامًا في بريطانيا، أثناء وجوده هناك للمشاركة في برنامج صيفي لتعلم اللغة. الشاب، الذي كان يحلم بتطوير مهاراته وتحقيق طموحه الأكاديمي، قُتل غدرًا إثر تعرضه للطعن، في بلدٍ كان يفترض أن يكون فيه ضيفًا مرحبًا به، لا ضحيةً للجريمة.
لكن ما وراء هذه القصة الفردية، توجد قضية أكبر تستحق الوقوف عندها. فقد أصبحت الدعوات إلى السفر لتعلم اللغة في الخارج، خاصة في فصل الصيف، لا تُقدم اليوم كمجرد خيار تعليمي، بل كـ”موضة اجتماعية” و”فرصة ذهبية” لا تُعوّض، تُسوق عبر دعاية مبالغ فيها، تتصدرها أحيانًا وجوه مشهورة ومؤثرة، يتابعها مئات الآلاف من شبابنا، حتى أصبح السفر لتعلم اللغة أشبه بـ”الضرورة الاجتماعية” لا الأكاديمية.
من المؤسف أن بعض المشاهير تحولوا، دون وعي أو بتجاهل، إلى أدوات دعاية لمراكز تعليمية خارجية، تركز حملاتها على جذب من هم دون الخامسة والعشرين من العمر. كثير من هذه الحملات تستهدف الشباب والمراهقين، وتقدم صورة حالمة عن الحياة في الخارج، دون الإشارة إلى التحديات الأمنية والثقافية والقانونية التي قد يواجهها الطالب.
وبينما يُمنح بعض أبناء المؤثرين هذه الفرص مجانًا للترويج للمراكز، فإن آلاف الأسر السعودية تدفع مبالغ طائلة لإرسال أبنائها إلى وجهات لا تضمن لهم الحد الأدنى من الأمان، ولا تحقق بالضرورة النتائج التعليمية الموعودة.
وما يلفت الانتباه هو غياب مراكز صيفية قوية لتعليم اللغة في الوجهات السياحية المحلية داخل المملكة. فنحن نمتلك في الطائف، والباحة، وعسير مقومات طبيعية وسياحية رائعة، إلى جانب بنية تحتية متطورة، وخصوصية ثقافية واجتماعية عالية. فلماذا لا تُفتح هناك مراكز لغوية راقية تستقطب أبناءنا في بيئة آمنة، وتحاكي البرامج الخارجية في الجودة والتنظيم؟
الجواب ببساطة: غياب الاهتمام المؤسسي، وعدم توفر دعاية مماثلة لتلك التي تُغرق مواقع التواصل حول البرامج الخارجية.
وحفاظًا على أرواح أبنائنا، ودعمًا لخيار التعليم في الداخل، لا بد من اتخاذ خطوات عملية لتنظيم عمل مراكز تعليم اللغة، سواء في الخارج أو الداخل. ونقترح ما يلي:
1. فرض لوائح واضحة على مراكز تعليم اللغة الأجنبية، تلزمها بالإفصاح عن ظروف الأمن، وساعات التجول، وتفاصيل القوانين المحلية فى الدول .
2. إنشاء قاعدة بيانات رسمية بالمراكز المعتمدة في الخارج، مع تقييمات دورية لمستوى الأمان والخدمة.
3. التوسع في إنشاء مراكز لغوية صيفية في مصايف المملكة، مع دعم حكومي أو شبه حكومي لتقديم برامج تعليمية معتمدة وجاذبة.
4. تقنين الإعلانات والدعاية الخاصة ببرامج التعليم الخارجي، خاصة تلك التي تستهدف من هم دون سن 25 عامًا.
5. اشتراط تقييم معرفي وثقافي قبل الابتعاث الصيفي، يتضمن فهم قوانين الدولة المتجه إليها، والقدرة على التصرف في المواقف الطارئة.
الختام: مستقبل أبنائنا أهم من أي دعاية
الحادثة المؤسفة التي فقدنا فيها شابًا سعوديًا طموحًا، يجب أن تكون جرس إنذار حقيقي، يعيد تقييم أولوياتنا، ويجعلنا نعيد النظر في جدوى وتبعات إرسال أبنائنا إلى الخارج بشكل عشوائي أو بسبب دعاية مغرية.






