المقالات

العودة إلى الفصلين

.حينما قررت وزارة التعليم العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين ابتداءً من العام الدراسي الجديد، لم يكن القرار مجرد رجوع إلى صيغة سابقة، بل كان تحولًا يستند إلى تقييم شامل لتجربة الفصول الدراسية الثلاثة، ومراجعة دقيقة للمكتسبات التي تحققت خلالها.
التعليم ليس ساحة للتجريب العشوائي
بل ميدان استراتيجي تُبنى فيه أجيال وتُرسم من خلاله ملامح المستقبل. ومن هذا المنطلق، جاء قرار العودة إلى الفصلين، لا كنقض للتجربة السابقة، بل كخطوة تستوعب نجاحاتها وتعيد توجيهها ضمن نموذج أكثر توازنًا وملاءمة للتطلعات الوطنية.
ما يُحسب للوزارة في هذه المرحلة هو حرصها على دراسة التجربة من جميع الزوايا، بدءًا من الاطلاع على أنظمة تعليمية متقدمة في 17 دولة، ووصولًا إلى إشراك أكثر من 225 ألف مشارك من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، والاستفادة من مرئيات المختصين، مما عزز من مصداقية القرار وقيمته المهنية.

المكاسب التي خرجنا بها من نظام الفصول الثلاثة — كمعالجة الفاقد التعليمي، وتحسين الأداء في الاختبارات الوطنية، واستمرار التطوير المهني، وتحديث المناهج — هي مكتسبات لا يجوز التفريط بها، بل يفترض أن تُبنى عليها السياسات المستقبلية، وهو ما حرصت الوزارة على تأكيده.

أما الأهم، فهو ما رافق هذا التحول من توجه نحو تمكين المدارس ومنحها مرونة أوسع في اتخاذ القرارات التربوية والتعليمية. هذا التحول يواكب ما تشهده الأنظمة التعليمية الرائدة عالميًا، حيث يُنظر إلى المدرسة لا كمجرد منفذة للقرارات المركزية، بل كنواة حقيقية للتغيير، وكمساحة خصبة للابتكار والتحسين.

قرار العودة إلى الفصلين الدراسيين هو تأكيد على أن التطوير الحقيقي لا يعني التغيير المستمر لمجرد التغيير، بل القدرة على الموازنة بين الاستفادة من التجربة، والتعديل المستند إلى بيانات، والمشاركة المجتمعية، والرؤية المستقبلية.

في النهاية، يظل الرهان الأكبر على التنفيذ الفعّال لهذا النموذج خلال الأعوام المقبلة. فتجارب التعليم الناجحة لا تُقاس بالنوايا ولا بعدد الفصول، بل بقدرتنا على خلق بيئة تعليمية محفزة، ومناهج متجددة، ومعلمين مؤهلين، وطلاب قادرين على الإبداع والمنافسة في عالم يتغير بوتيرة متسارعة

محفوظ الغامدي

‏‏‏‏‏‏‏‏(باحث في الخطر الإيراني)‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ إعلامي وتربوي - ماجستير في التاريخ الحديث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى