السفر تجربة ثرية يحصل فيها النافع والضار، والخطأ والصواب، والذنوب والحسنات، واليسر والصعوبات.
وبعض المسافرين يذكرون محاسن السفر ويكتبون عنها شعرًا أو نثرًا، ونادرًا من يشير إلى الهنات التي تحصل أثناء الرحلة والظروف التي يعيشها المسافر حتى إتمامها. ولهذا سأقوم بتوثيق عينة من هذه الهنات التي سمعتها في أحاديث خاصة للعبرة. والمقصود بالهنات هنا الأخطاء اليسيرة، ومن ذلك ما يلي:
1
يقول أحدهم: كنت في مطعم وربما في حالة جوع، وقدم لي طبق شهي أكلته كاملًا ولم أبقِ منه شيئًا، ثم قلت ممازحًا لمقدم الخدمة (النادل): أريد أن تضع الباقي ـ ولم يبق شيء ـ سفري. فغاب قليلًا ثم أحضر وجبة مماثلة مغلقة، وكان سعرها باهظًا باليورو. لم أناقش سوء الفهم لشعوري بالمسؤولية، وحملت الطعام وقدّمته لمحتاج يفترش الطريق، مع علمي أن إعطاءه ثمن الوجبة نقدًا كان أنفع له. اختلطت المشاعر لديّ ثم توقفت عن التفكير خوفًا من أن يجرّني ذلك إلى ما لا يُحمد.
2
ويقول آخر: صرفت عملة البلد الذي سافرت إليه ولم أدقق في الفئات، وفي المساء أعطيت النادل إكرامية (Tip) فإذا بي أعطيه ورقة نقدية هي الأعلى لديهم وتساوي مبلغًا كبيرًا بالريال السعودي. لم أكتشف ذلك إلا متأخرًا، وكان الليل قد انتصف، فقررت الصبر وطلب العوض من الله، ومنذ ذلك الحين صرت أدقق وأتحرى.
3
ويقول ثالث: كنت مرتبطًا بدورة تدريبية، فجئت قبل موعدها بأيام ورتبت أموري، وفي عطلة نهاية الأسبوع قررت قضاء ليلة في فندق مطل على البحر. لكن تشابهت عليّ الأسماء، فاشتريت تذكرة قطار لمدينة بعيدة جبلية وعرة، وتكبدت تبعات الغلطة ومنها تأخري عن الدورة.
4
ويقول آخر: ذهبت متأخرًا لتناول طعام السحور، وكان المتاح مطعمًا للفاست فود. وجدت عنده متسولًا فأعطيته بعض المال صدقة، فإذا بي أتعرض لتحقيق وضبط أمني حتى طلعت الشمس. ومن هذا الموقف تعلمت الحذر من القرارات العاطفية في السفر، وأن الغريب يجب أن يكون أديبًا، مع فهم آليات ونظم جمع وتوزيع الصدقات.
5
ويقول آخر: تقدمت لشراء تذكرة قطار من آلة، فجاءني مقيم عربي ادّعى مساعدتي. لمح الرقم السري لبطاقتي، ثم انتزعها مني وفرّ وفي يده الأخرى سكين. اتصلت فورًا بالبنك لإيقاف البطاقة، لكنني اكتشفت أنه سحب أكثر من 17 ألف ريال قبل الإيقاف بدقائق. لم أجد حلًا لدى البنك، فطلبت العوض من الله، ومنذ ذلك الحين صرت أوزع الرصيد بين عدة بطاقات.
6
ويقول آخر: كنت مسافرًا بسيارتي ورأيت غابة خضراء جميلة، فقررت دخولها رغم أنها مسوّرة. وبينما أنا أستنشق هواءها إذ بطائرة عمودية تطلب مني المغادرة فورًا لأن بها أسودًا وحيوانات مفترسة. خرجت سريعًا، وأخبرني حرس الغابة أنني نجوت بأعجوبة.
7
ويقول آخر: توقفت عند مكان أخضر ظننته حديقة، فأعددت قهوتي وفرشت متاعي، لكن أحد الأشخاص أخبرني أنه مقبرة! ارتعدت ولذت بالفرار، وتعلمت أهمية قراءة اللوحات والحيطة.
8
ويقول آخر: ذهبت لتناول العشاء في مطعم مشهور، فاقترب مني بعض الشباب ودار حديث، ثم طلبوا طعامًا متنوعًا، وبعدها تسللوا واحدًا تلو الآخر تاركين الحساب عليّ. فوجئت بفاتورة عالية شملت ما طلبوه، واضطررت لرفع الحد الائتماني لبطاقتي ودفع المبلغ. ومن يومها تعلمت الدفع قبل الأكل والحذر من ضعاف النفوس.
9
ويقول آخر: بدافع المغامرة قررت المبيت في قمة من قمم الألب، لكن الظلام حلّ، وبدأ وقود السيارة ينفد، والأمطار الغزيرة والرياح العاصفة زادت الموقف رعبًا. لم أجد مأوى حتى منتصف الليل، فلجأت إلى أحد البيوت، وبعد استجداء استضافوني حتى الصباح. كانت ليلة مفزعة تعلمت منها الدعاء وأهمية الرفيق والمعلومة السياحية.
10
ويقول آخر: ذهبت للتسوق في منطقة تجارية فخمة، لكنني وجدت المحلات مقفلة رغم أن أبوابها زجاجية. انتظرت طويلًا ثم سألت الشرطة، فأخبروني أن هذه المحلات لا تُفتح إلا عبر اتصال هاتفي مسبق. عندها قدّرت الدور الإنساني لرجال الشرطة، وأكبرت ما يقومون به من عون للناس






