المقالات

العالم يتحدث عن زوال إسرائيل ونتنياهو يتحدث عن إسرائيل الكبرى!

أثار حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن كونه في «مهمة تاريخيّة وروحية» مرتبطة بـ«إسرائيل الكبرى»، ردود فعل عربية غاضبة على الصعيدين الرسمي والشعبي، فقد تجاوز نتنياهو تصريحاته العدائية لأهالي القطاع وأصبح يستخدم لغة الوعيد والتهديد ضد العديد من الدول العربية بما في ذلك دولاً تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وبما يعتبر تهديدًا للأمن القومي العربي وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
والمعروف أن “إسرائيل الكبرى” مصطلح اختلط فيه المعنى التوراتي بالمعنى السياسي، ويستخدم غالبًا للإشارة إلى حدود إسرائيل التاريخية التي تعرفها اليافطة المكتوبة أعلى مدخل الكنيست “أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات”.
وقد أستخدم هذا المصطلح من قبل بعد حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) 1967 للإشارة إلى إسرائيل ومناطق القدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ومرتفعات الجولان في سوريا.
وهناك العديد من التصريحات الصادرة عن المراقبين والمحللين وخبراء السياسة الدولية حول اقتراب إسرائيل من نهايتها المحتومة، فقد ذكر موقع “ذا كريتيك” تحت عنوان “هل هذه نهاية إسرائيل؟”. وبحسب ما تقوله وسائل إعلام غربية مثل الغارديان، وبعض النقاد، فإن إسرائيل معزولة بالفعل، وأيامها معدودة، ومعرضة لخطر النبذ وبالتالي الفناء. نتنياهو نفسه لم يخف مخاوفه من نهاية إسرائيل قبل أن تبلغ الثمانين من عمرها، فهو لم يعد يخفي مخاوفه وسط حالة التهديد الوجودي الذي بات يلمسه بشكل واقعيّ، لاسيما في ظل الحقيقة بأن التاريخ والعقائد اليهودية تشهد بأن هذا الكيان “محكوم بالزوال والمسألة مسألة وقت” (حسب ما عبّر أحد أهم مؤسسي الكيان ديفيد بن غوريون).
ولنا أن نتذكر تصريحات منظر السياسة الأميركية (هنري كيسنجر) التي نشرتها صحيفة “نيويورك بوست” في 30 أكتوبر 2012 “أنّه بعد عشر سنوات لن تكون هناك إسرائيل”.
ويتشاءم الإسرائيليون من العقد الثامن الذي دخلت فيه “دولة اليهود الثالثة” -وهي الدولة القائمة على احتلال فلسطين حالياً- ذلك أن المملكتين اليهوديتين السابقتين، اللتين كان قد جرى تأسيسهما في البلاد، وفق الرواية اليهودية، “مملكة داوود” أو “المملكة الموحدة”، و”مملكة الحشمونائيم”، لم تستطيعا تجاوز العقد الثامن من عمريهما.
وفي عام 2017 -وهو العام الذي وافق الذكرى التاسعة والستين لقيام إسرائيل- شارك نتنياهو في نقاش ديني بمناسبة عيد “العرش اليهودي”، أعرب فيه عن مخاوفه من زوال إسرائيل خلال السنوات القادمة؛ مخاوف نتنياهو الأخيرة كانت تختبئ خلف قوله إن مملكة “الحشمونائيم” عاشت نحو 80 سنة، وإنه يعمل لضمان اجتياز إسرائيل هذه المدة والوصول بها إلى مئة عام!
وفي مقال لرئيس الوزراء السابق “إيهود باراك” في صحيفة “يديعوت أحرنوت” بمناسبة الذكرى الـ74 لتأسيس إسرائيل، أكد أنه في تاريخ الشعب اليهودي لم تستمر دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً.
ولابد من الإشارة هنا إلى كتاب مؤسس ورئيس المؤتمر الصهيوني لسنوات، ناحوم جولدمان (إسرائيل ..إلى أين ؟) الذي ذكر فيه “أن دولة إسرائيل سوف تختفي من الوجود إن هي ظلت تمارس الإرهاب اليومي، ولا تعترف بوجود دولة فلسطينية”. وإذا أضفنا إلى كل ما سبق الوعد الإلهي الذي ذكر في سورة الإسراء سوف لا يساورنا أدنى شك في حتمية انهيار إسرائيل في غضون السنوات القليلة المقبلة. ومع كل ما سبق من حقائق يعيها جيدًا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو نراه يتحدث بكل صلافة وعنجهية عن دولة إسرائيل الكبرى التي تضم أجزاء من دول الجوار إلى جانب الضفة الغربية وغزة. إدانة المملكة من خلال بيانها الصادر عن الخارجية السعودية لتصريحات نتنياهو تؤكد من جديد على مواقف وثوابت السياسة السعودية إزاء الموقف من القضية الفلسطينية الذي يرتكز على حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، وعلى الموقف من التطبيع مع إسرائيل.

ولاشك أن تصريحات سمو الأمير تركي الفيصل لقناة سي .إن.إن تعليقًا على تصريحات نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى”: “كيف يمكن لأحد أن يتوقع أن تطبع السعودية مع مختل ومجرم إبادة مثل نتنياهو؟…”، يؤكد بكل وضوح على هذه السياسة وهذا الموقف الذي لا يقبل التنازل أو المساومة.
ويبقى السؤال مطروحًا: أو ليس من الغباء أن يتحدث نتنياهو عن تخوفه من أن لا تنجح إسرائيل في البقاء لأكثر من ثمانين عامًا ويتحدث في نفس الوقت عن تطلعه لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” ؟!

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى