المقالات

المقابل المالي للعمالة.. هل من حل؟

في جلسة جمعتني بأصدقاء، دار حديث عن بدء خصم مبالغ مالية كغرامات من حسابات بعض المنشآت الصغيرة، بنسبة تمثل ضغطًا على ميزانية تلك المنشآت التي تعاني أساسًا من أعباء والتزامات متعددة، منها الرواتب والإيجارات ورسوم العمالة والديون، إضافة إلى مطالبة وزارة الموارد البشرية بعض المواطنين بسداد مبالغ كمقابل مالي للعمالة المسجلة بأسمائهم، حتى وإن لم يكن لتلك العمالة وجود فعلي أو نفع يعود على المواطن نفسه.

وقد أثار النقاش أحد الحاضرين عندما روى ما شاهده بنفسه أثناء مراجعته أحد فروع الوزارة، حين لمح رجلًا مقعدًا يبكي بحرقة وهو يناشد الموظف مساعدته في إلغاء سجله وإسقاط العمالة، مؤكدًا أنه لا يملك من أمره شيئًا، فلا مال لديه ولا دخل للسداد، ومع ذلك يُطالَب بسداد مبلغ كبير مقابل عمالة كانت تعمل لديه ولم يستطع إسقاطها من سجله، رغم مراجعته السابقة لفرع الوزارة وتقديمه طلبًا لإيقاف نشاطه التجاري، الذي رُفض بسبب انتهاء إقامة بعض تلك العمالة، مما أدى إلى استمرار نشاطه على الورق رغم أنه لا يمارسه فعليًا، الأمر الذي سمح لتلك العمالة بالانفلات والعمل لدى الغير.

والواقع أن حال هذا المواطن المقعد صادم ومحزن، وهناك كثيرون ممن يُطالبون برسوم لعمالة لم يُقبل منهم إسقاطها أو إلغاء نشاطهم عند المراجعة، خصوصًا عندما توقّف نشاطهم التجاري بسبب وباء كورونا، ولأن التعليمات تشترط السداد أولًا لكي يتم إلغاء النشاط وقبول البلاغ، وهو من وجهة نظري أمر قاسٍ، خصوصًا أن مبدأ الإفلاس الذي يتيح للشركات الإعفاء من الالتزامات لا ينطبق على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة – حسب علمي – وهم الأولى بالرعاية.

ورأيي أنه كان من الأولى استقبال طلب إلغاء النشاط والتحصيل لاحقًا، بدلاً من وقوع المواطن ضحية تراكم الرسوم، مع منحهم تسهيلات وإعفاءات بناءً على ظروفهم الواقعية، حتى لا يقعوا ضحية الانهيار النفسي والاجتماعي.

ومما زاد الطين بلة أن بعض هؤلاء من كبار السن أو أصحاب الإعاقات، وهم أميّون في التعاملات الإلكترونية الجديدة عليهم، فيعانون من ضعف القدرة على إنهاء إجراءاتهم باعتبارها طارئة، ويقعون فريسة لتعقيد الإجراءات بسبب قلة خبرتهم أو لعدم المتابعة لظروفهم.

ولذلك فإنني أطرح بعض الأفكار لإخضاعها للدراسة والتقييم، فيما يلي:

أولًا: يمكن فرض مبلغ مالي بسيط ومعقول للتسوية وإغلاق الملف، خصوصًا أن معظم المتعثرين في السداد هم من ضحايا جائحة كورونا، من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ثانيًا: منح مهلة للتصحيح، كما أعطت وزارة الداخلية سابقًا المقيمين مهلة لتصحيح أوضاعهم، ليتمكن هؤلاء المطالبون من تصفية سجلاتهم، خصوصًا أن جلّهم من أصحاب المؤسسات الصغيرة الذين لم يعد لهم نشاط تجاري فعلي.

ثالثًا: الإعفاء من المقابل المالي مراعاةً للحالات الاجتماعية والإنسانية مثل العجز أو الإعاقة أو البطالة.

رابعًا: تفعيل آلية إسقاط العمالة دون شرط الدفع المسبق بمجرد تقديم الطلب، لأن الرفض يؤدي إلى تحميل المواطنين رسومًا لا قِبل لهم بها، كما هو حال ذلك المواطن المقعد وغيره، باعتبار أن النشاط لا يزال قائمًا ولم يُلغَ.

خامسًا: تشكيل لجنة للنظر في الشكاوى والتظلمات تُراعى فيها الجوانب الإنسانية، خصوصًا أن كثيرًا من أصحاب تلك المؤسسات إما نساء أو شباب أو آباء خرجوا من سوق العمل ويعيشون ظروفًا صعبة هذه الأيام.

لذلك أرى أن يُنظر في أمر هؤلاء بعين العطف والرحمة، وأن تتولى وزارة الموارد البشرية الرفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – بمعاناة هذه الفئة، وبلا شك سيكون التوجيه الكريم بإعادة النظر في الأمر، وهو أمرٌ معهود عن قيادتنا الرشيدة.

خصوصًا أن المطالبين في الغالب لا نشاط حديث لهم.

والله من وراء القصد.

• مدير شرطة العاصمة المقدسة سابقًا

اللواء م. محمد سعيد الحارثي

مدير شرطة العاصمة المقدسة - سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مررت من هنا واعجبني هذا المقال الرايع وياليت لو طبق منه الفقره الرابعه وهو اسقاط العماله دون اشتراط الدفع المسبق

    لاخلا ولاعدم يا اباهاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى