رؤية تحليلية في الفارق بين السلام السعودي الواقعي والدعاية الأمريكية المزيفة
في الذكرى الثامنة لبيعة سمو ولي العهد، كتبت في تاريخ 26-3-2025م مقالًا بعنوان «ولي العهد.. أمير السلام»، منحت فيه سموه هذا اللقب عن جدارة، وهو لقب لم يكن مجاملة إعلامية، بل توصيفًا دقيقًا لدورٍ واقعي في صناعة السلام والاستقرار، قبل أن يخطر هذا الوصف على بال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو داعميه.
اليوم، وبينما يحاول ترامب أن يروّج لنفسه كـ”رئيس السلام” ويسعى إلى جائزة نوبل، ينسى العالم أن فترة حكمه شهدت أكبر مأساة إنسانية في غزة، حيث عاش الفلسطينيون التهجير والجوع والموت تحت القصف، في واحدة من أحلك فصول التاريخ الحديث.
فأي سلامٍ هذا الذي يولد من بين الركام؟ وأي نوبلٍ تُمنح لمن صمت أمام المأساة؟
في المقابل، تجسّد المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – معنى السلام الحقيقي: سلامٌ يُبنى على الفعل لا الادعاء.
ففي الاجتماع الأممي في نيويورك، قادت الدبلوماسية السعودية جهدًا منسقًا أقنعت خلاله 59 دولة بالاعتراف بدولة فلسطين، في إنجاز غير مسبوق أعاد الاعتبار للحق الفلسطيني، ورسّخ مبدأ الحل العادل والدائم وأدان صمت الولايات المتحدة الأميركية.
ولم يكن ذلك سوى امتداد للمسار الذي بدأته المملكة منذ إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2002، والتي أعادت الرياض اليوم تفعيلها بمنظورٍ دوليٍّ جديد عبر صيغة حلّ الدولتين، بما يمثل الطريق الأوضح لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة.
وقد شكّل المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين في نيويورك حشدًا غير مسبوق في التاريخ الدبلوماسي، ليؤكد أن السلام الذي تقوده المملكة هو مشروع عالمي وليس مجرد مبادرة سياسية.
جهود المملكة المكثفة أثمرت في تزايد عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، وأثبتت أن السلام في فكرها عقيدة ومنهج، لا دعاية ولا منّة.
وشتان بين من يؤمن بالسلام كقيمة إنسانية، وبين من يتخذ منه مطيّة لمطامع انتخابية وشخصية.
ولعل كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاءت فاصلة حين قال:
“إذا أراد ترامب جائزة نوبل للسلام، فعليه أن يوقف حرب غزة.”
كلمة تختصر كل شيء: فترامب الذي لم يُنهِ حربًا، ولم يُغلق باب مأساة، لا يحق له أن يطالب بجائزة تُمنح لصانعي الأمل.
البيت الأبيض لم يتأخر في تسويق الوهم، فنشر صورة لترامب ممهورة بعبارة “رئيس السلام”، في مشهدٍ يعيدنا إلى البروباغندا الأمريكية التي تخلط بين الشعارات الانتخابية والحقائق الإنسانية.
أما الواقع، فيقول إن الجهود السعودية مع شركائها العرب والإقليميين وفي العالم أجمع هي التي فرضت مسار السلام، وأن ترامب – رغم وعوده المتكررة – لم يوقف حربًا، لا في غزة ولا في أوكرانيا، بل ترك الأزمات تستعر تحت لافتة الوعود الفارغة.
من يؤمن بالسلام يصنعه، ومن يلهث وراءه لا يدركه.
وشتان بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي جعل السلام نهجًا ثابتًا وسياسة دولة راسخة، وبين من يرى فيه فرصة إعلامية أو سلعة انتخابية.
لقد قدّمت المملكة نموذجًا جديدًا للسلام يقوم على التنمية والاستقرار والتوازن الدولي، لا على الفوضى والهيمنة.
وهنا أطرح سؤال مشروع أمام العالم كله:
كيف يريد ترامب جائزة نوبل للسلام، وهو لم يكن حتى من بين الـ59 دولة التي اعترفت بدولة فلسطين؟
أي سلامٍ يُكافأ عليه من لم يشارك في إحياء العدالة، بل كان شاهدًا على التهجير والتجويع والدمار؟
ختامًا، نقولها بوضوح:
جائزة نوبل للسلام تُمنح لأهل السلام الحقيقيين، لا لمهندسي الدمار.
ولو كانت كوكب الشرق أم كلثوم بيننا اليوم لقالت لترمب:
“سلام إيه اللي إنت جاي تقول عليه؟”.


