
✍️ جمعان البشيري
في ليلةٍ من ليالي الوفاء، التي تتوّج العطاء وتحتفي بالمبدعين، وقف الحضور إجلالاً لرجلٍ جمع بين العلم والشعر، بين المنبر والأدب، بين القلم والسيف الشعري.
إنه الدكتور البروفيسور عبدالواحد الزهراني، أحد الأسماء التي نقشت حضورها في ذاكرة الشعر الجنوبي، وارتقت بالكلمة من ميدان الشعر الشعبي إلى فضاء الفكر الأكاديمي والفن الرفيع.
شاعرٌ يحمل الجنوب في قلبه ما إن يذكر الشعر الجنوبي إلا وتُذكر معه قامة عبدالواحد الزهراني، ذاك الذي حمل جبال السروات في صوته، وردّد أنين الوديان في قوافيه.
هو شاعرٌ لا يكتب الحرف كما يُكتب، بل كما يُعاش، يسكب وجدَه في كل بيتٍ من شعره كمن يُسقي أرضاً عطشى بالحنين والعزة والانتماء.
كان عبدالواحد ومازال مدرسةً قائمةً بذاتها، يجسد المعاني في ميادين العرضة الجنوبية وأروقة الثقافة ونوادي الأدب وميادين القوافي، جمع بين الفراسة والجزالة، وبين الحكمة و الأصالة والحداثة، فصار لسان الجنوب وصدى الجبال.!
لم يكن الشعر وحده مجال تميّزه، فقد قدّم الزهراني أنموذجًا استثنائيًا للمثقف الأكاديمي الذي يمزج المعرفة بالهوية من الميدان إلى المنبر، فجمع بين عمق الفكر وبساطة الموروث.
نال الدكتوراه وارتقى في مدارج العلم، لكنه ظلّ وفيًّا للتراث الشعبي، لا يرى في الشعر الجنوبي أنه مجرّد لونٍ فني أو موروث شعبي ، بل يراه وثيقة حضارية تحفظ ذاكرة المكان و الزمان وتختصر ملامح الإنسان الجنوبي في كبريائه وكرامته.!
لا شك أن التكريم في مضمونة .. وقفة اعتراف ووفاء، وحين يُكرَّم مثل هذا الرجل، فإننا لا نكرّم شخصًا بعينه، بل نحتفي بجيلٍ من القامات التي بنت هوية الشعر السعودي بعرقها وصبرها وإبداعها.
ففي تكريم عبدالواحد، تُكرَّم القصيدة الجنوبية، ويُرفع شأن الشعر الشعبي بوصفه رافدًا أصيلاً من روافد الأدب الوطني.
لقد ظلّ الزهراني طوال مسيرته صدىً صادقًا لوطنٍ يعشق الجمال، ويغني للمجد، ويؤمن أن الكلمة حين تكون نابعة من الوجدان تصبح خالدة كالأوطان.
لم يكن صوت عبدالواحد الزهراني مجرد صوتٍ للجنوب، بل صوتًا للوطن كله، بل هو رمزٌ من رموز الشعر الوطني بصيحة الفخر والاعتزاز والانتماء.!
أجاد في ميدان العرضة كما يجيد العالم في بحثه، ورسم بالكلمات لوحاتٍ تُحاكي السيوف وهي تلمع في سماء المجد، وأعاد للشعر الشعبي مكانته بوصفه لغة الجماهير وصوت الأرض والإنسان.
همزة وصل :
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتبهت الذاكرة، يبقى تكريم القامات الكبيرة فعلَ وفاءٍ قبل أن يكون مناسبةً احتفالية. فالوفاء للكلمة ولصاحبها وتكريم الدكتور البروفيسور عبدالواحد الزهراني هو تكريمٌ لروح الجنوب، ولهوية العرضة، ولشموخ الشعر الشعبي السعودي.
فهو لم يكن شاعرًا فحسب، بل ذاكرةً تمشي على أرض القصيد، وعالِمًا يحملُ في قلبه عبق السروات ووهج القوافي.
إنه – كما قيل عنه – رجلٌ حين ينشد، تصفق له الجبال قبل الجماهير






