كانت المملكة من أوائل الدول التي اهتمت بالقضية الفلسطينية وساندتها. وكان رأي الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بتقديم السلاح للفلسطينيين ودعمهم للدفاع عن أرضهم من أصوب الآراء، ولم يدرك العرب صواب ذلك إلا بعد فوات الأوان، وينطبق عليهم قول أمية بن أبي الصلت:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وبدلًا من الأخذ بهذا الرأي، فضّل العرب الدخول بجيوشٍ للدفاع عن فلسطين، لكن تلك الجيوش فشلت في منع النكبة، وكانت ذخائرها فاسدة، وكان التنسيق بينها شبه معدوم. وبعد قيام دولة الصهاينة، طلبت من الغرب دعمها ومساندتها بحجة أنها تقع وسط بحرٍ من العرب المعادين لها. وكان هناك من يهدد برمي الكيان في البحر، فعمدت إلى شنّ حربٍ استباقية، كان عنصر المفاجأة أبرز عناصرها، فكانت نكسة عام 1967م التي احتلت فيها دولة الكيان قطاع غزة وسيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان. وهنا انطبق على العرب قول الشاعر:
ربَّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا
صرتُ في غيرِه بكيتُ عليه
إذ أصبحوا يطالبون بحدود ما قبل 1967م.
وفي عام 1393هـ شنّت مصر هجومًا مباغتًا على خط بارليف الذي أقامه الصهاينة على الضفة الشرقية لقناة السويس، ونجحت في تحقيق نصرٍ مشهود، وكان الملك فيصل – رحمه الله – من أبرز الداعمين لمصر، حيث قاد عملية قطع النفط عن الدول المساندة للكيان الصهيوني، فبرز كقائدٍ عالمي، وأظهرت تلك المرحلة أهمية النفط في الحياة المعاصرة، وتضاعفت أسعاره.
بعد ذلك صدرت قرارات الأمم المتحدة التي تنص على أن الضفة الغربية والجولان وغزة أراضٍ عربية، ثم وُقّعت معاهدة كامب ديفيد بين السادات وبيغن برعاية الرئيس الأمريكي كارتر. وقدم الملك فهد – رحمه الله – مبادرة عُرفت باسمه (مبادرة الملك فهد) المكوّنة من ثماني نقاط، وكان عنوانها “الأرض مقابل السلام”، ومن أبرز نقاطها قيام دولةٍ فلسطينيةٍ على حدود 1967 وعاصمتها القدس، ثم الاعتراف المتبادل بين العرب والكيان الصهيوني. غير أن زعماء الكيان رفضوا المبادرة ودخلوا في مفاوضات واتفاقات أوسلو التي لم تتمخض عن شيء.
ثم دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – إلى تبنّي المبادرة السعودية لتصبح مبادرة عربية، فوافق العرب عليها في قمة بيروت. وبقيت القضية الفلسطينية تتفجر بين وقتٍ وآخر، فيما الكيان الصهيوني مصرٌّ على تعنّته ورفضه لمبادرة السلام العربية.
وفي عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – تبنت المملكة مشروع حل الدولتين القائم على المبادرة العربية وقرارات الأمم المتحدة، وشاركت فرنسا في هذا المشروع، الذي أثمر عن اعتراف أكثر من 80% من دول العالم بالدولة الفلسطينية، منها دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها.
وصاحب هذا الجهد اندلاع حرب غزة التي واجه فيها الفلسطينيون وحدهم جيش الكيان المحتل، وهو المشهد ذاته الذي سبق أن حذّر منه الملك عبدالعزيز عام 1948م، حين دعا إلى دعم الفلسطينيين بالسلاح لا بالوعود.
وقد قدّم الفلسطينيون تضحياتٍ كبيرة، ولم تنكسر شوكتهم أمام آلة الدمار والقتل الإسرائيلية المدعومة من بعض الدول الكبرى، كما تغيّر اتجاه الرأي العام العالمي نحو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعيش الكريم.
كل ذلك، مع تزايد ضغوط حلّ الدولتين والعزلة والخسائر التي تعرّض لها الكيان المحتل، أدى إلى توقيع اتفاقية السلام في مؤتمر شرم الشيخ للسلام بتاريخ 13 أكتوبر 2025م، ومثّل المملكة فيها صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية.
لقد بذلت المملكة الأموال والأرواح في سبيل قضية العرب والمسلمين الأولى، قضية فلسطين، ومن المؤمَّل أن تؤدي هذه الجهود إلى قيام دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ عاصمتها القدس الشرقية، فبدون ذلك لن يحلّ السلام في الشرق الأوسط، ولن ينعم الكيان المحتل بالأمان.
والله الموفق.





