«طلاليات»
القضية الفلسطينية تُمثّل واحدةً من الثوابت التي لا تتغيّر لدى المملكة العربية السعودية.
وقد مرّت بمراحل متعددة من الدعم والمواقف الشجاعة، مع التأقلم الذكي مع الظروف الإقليمية والدولية.
وفي السنتين الأخيرتين، ومع التصعيد في قطاع غزة، كانت الجهود السعودية واضحة، حتى تكلّلت بالمشاركة في قمة شرم الشيخ ودورها البارز في وقف الحرب في غزة، وهي الجهود التي تركت أثرًا سياسيًا مهمًا على الساحتين العربية والدولية.
وقد شاركت المملكة العربية السعودية عبر وفدٍ برئاسة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله في توقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة خلال قمة شرم الشيخ.
وعبّرت المملكة عن ترحيبها بالاتفاق الذي أُبرم كمرحلة أولى، مع الأمل بأن يُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تمهيدًا لـ الانسحاب الإسرائيلي الكامل في المستقبل، والبدء بخطواتٍ عملية نحو السلام العادل على أساس مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
كما أشادت المملكة في كلمتها بدور الوساطة المصرية والقطرية وغيرها التي مهدت الطريق للوصول إلى هذا الاتفاق، مؤكدةً أن الاتفاق ليس نهاية للصراع، بل خطوة ضمن مسار أوسع نحو حلٍّ شاملٍ ودائمٍ.
من خلال هذه المواقف، يتّضح أن المملكة تسعى لأن تجعل من مشاركتها في القمة موقفًا سياسيًا مؤثرًا وداعمًا أساسيًا للسلام العادل، مع مراعاة مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
منذ بدايات تأسيس الدولة السعودية، أبدت المملكة دعمًا ثابتًا للقضية الفلسطينية، إذ شاركت في القضايا العربية الكبرى، وكان من أوائل المواقف مشاركتها في مؤتمر لندن عام 1935م الذي عُقد للنظر في أوضاع فلسطين، وأكدت فيه مواقفها الداعمة للحقوق العربية.
وخلال حرب 1948م، قدّمت المملكة الدعم والمساندة للقوى العربية التي شاركت في الدفاع عن فلسطين، ضمن إطار التضامن العربي.
وفي عهد الملك سعود والملك فيصل رحمهما الله، استمر الدعم سياسيًا ومعنويًا، تأكيدًا لما بدأه الملك عبدالعزيز رحمه الله.
كان الملك فيصل من أبرز القادة الذين رفعوا الصوت الفلسطيني في المحافل الدولية، خصوصًا عندما تولّى وزارة الخارجية في سنٍّ مبكرة، فتبنّى قضايا العرب، وفي مقدمتها فلسطين، واشتهر بخطبه في الأمم المتحدة ودعوته إلى الوحدة الإسلامية.
وبعد الحريق في المسجد الأقصى عام 1969م، بادرت المملكة إلى الدعوة لعقد قمة إسلامية، وكان دعمها بارزًا في التعبئة الإسلامية حول القضية الفلسطينية.
وفي عهد الملك خالد، استمر الموقف الداعم وتواصل التنسيق الدبلوماسي العربي ضد السياسات الإسرائيلية.
أما في عهد الملك فهد رحمه الله، فقد قدّم مبادرة أولية للسلام عام 1981م، تطوّرت لاحقًا في مؤتمر فاس 1982م لتصبح مشروع السلام العربي، كما دعمت المملكة في عهده الموازنة الفلسطينية وقدّمت مساعدات إنسانية ومادية كبيرة.
وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، استمرت الدبلوماسية السعودية النشطة في المطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، والانسحاب من الأراضي المحتلة.
وفي مارس 2002م، أعلن الملك عبدالله مبادرة السلام العربية التي نصّت على انسحاب إسرائيل من أراضي عام 1967م مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وهي المبادرة التي أصبحت ركيزة للموقف العربي تجاه السلام.
كما ساهمت المملكة في المصالحة الفلسطينية، ومن أبرز إنجازاتها اتفاق مكة عام 2007م بين فتح وحماس، لتوحيد الموقف الفلسطيني.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – استمر الموقف الثابت تجاه فلسطين،
وشهد قمة القدس (الظهران 2018) تأكيدًا واضحًا لدعم القضية.
كما أطلقت المملكة في أواخر عام 2024م التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين لتنسيق الجهود الدولية الداعمة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل 1967م.
وقدّمت المملكة مساعدات إنسانية ضخمة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة، إضافة إلى مشروعات تنموية بإشراف جهات رسمية وخيرية.
وفي الأحداث الأخيرة، ارتفع الدور السعودي في الرسائل الدبلوماسية والضغط السياسي على الأطراف للتوصل إلى التهدئة، ومنها مشاركتها في قمة شرم الشيخ للسلام.
وعلى مدى العقود، حافظت المملكة على موقفٍ ثابتٍ وداعمٍ لفلسطين، رغم تغيّر الظروف الإقليمية والضغوط الدولية، مؤكدةً أن السلام العادل والشامل هو السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة، وعلى أساس مبادرة السلام العربية لعام 2002م التي لا تزال الإطار المرجعي لأي تسوية عادلة.
تمتلك السعودية أدواتٍ دبلوماسيةً مؤثرة، من خلال الاتصالات المباشرة والمنابر الدولية، مع تجنّب التصعيد الميداني،
وتعمل على إشراك الدول والمنظمات الدولية، وتسعى لتشكيل تحالف دولي من أجل تنفيذ حلّ الدولتين.
كما تلعب المملكة دورًا محوريًا في إعادة تشكيل البوصلة الدولية تجاه فلسطين.
وفي هذا السياق، وفي 22 سبتمبر 2025م، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا ستعترف رسميًا بدولة فلسطين، باعتبار ذلك خطوةً سياسيةً مهمة في دعم حلّ الدولتين.
وجاءت هذه الخطوة بعد تنسيقٍ دبلوماسي مسبق بين السعودية وفرنسا، حيث لعبت المملكة دورًا فاعلًا في الدفع بهذا الاعتراف الذي أسهم في نجاح قمة شرم الشيخ للسلام.






