هاهو يجمع أطراف رداءه مغادرًا.. بعد أن رفع بالأمس ستار حضوره الباسم في ذات الوقت ككل عام، مُتباهيًا بالحضور ومُتبخترًا، فبعدما كنا نقف على باب الانتظار لاستقباله.. هانحن نغلق الباب خلفه بعد أن ودعناه.. عشرة أيام تسابق فيها الزمن مع الخطوات بين مجيء وذهاب.. في مشهد ثقافي.. تزينه أركان من درو نشرٍ سعودية وأخرى قدمت من أنحاء العالم، يتربع على أرففها كتب تحكي قيام حضارات، وأمجاد دول، وتنقل الحقائق والعلوم.. ترسم البسمة، وتُواسي الدمعة.. تُحاور العقول، وتُصحح الأفهام.. عشرة أيام بين لقاء في حرم الثقافة، ونهل من وِردها الجاري، وتنفس عبق متميز تبوح به الأوراق.
معرض الرياض الدولي للكتاب تزين هذا العام بشعار: الرياض تقرأ، والحقيقة أن الرياض كانت تنبض بالثقافة المتعطشة لرائحة الورق المتشرب بحبر الكُتّاب، المتألقة بعناوينها الجاذبة وأفكارها المتباينة بين قبول ورفض، ساعية لإرضاء جميع العقول، باستضافتهم في وقت واحد باللحظة ذاتها، وكأنها تُخبرهم على التآلف وتقبُل الآخر، لتوازن بين آرائهم وطموحهم.
ومعرض الكتاب لا يقتصر على القراءة والكتب؛ بل تجتمع بين أركانه شتى الثقافات والفنون من لقاءات وندوات ثقافية، ومنصات ترقيع تصدح بها عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها.. وورش عمل تدريبية، وعروض فنية بإيقاعات متناغمة، ومنطقة أعمال لتوقيع اتفاقيات ثقافية، ومنطقة أخرى خاصة بالطفل لتنمي مداركه وتطلعاته. فأصبح وجهة لجميع فئات المجتمع الكبير منها والصغير، القارئ والمطّلع والباحث عن الجديد، فلا عجب أن نرى أورقته تزدحم بالزائرين، مما يتطلب مهارة عالية في التنظيم، وإدارة الحشود منذ الدخول من البوابة الرئيسية وحتى التوديع، وهو ما شهدناه في كامل رحلتنا في المعرض، وإن كان لدينا بعض الملاحظات التي ربما تحتاج إلى إعادة النظر فيها من أجل تنظيم أفضل، وبالتالي تحقيق الهدف الذي يرجوه جميع زواره.
معرض الكتاب في المملكة العربية السعودية هو منصة حيّة تُنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة للمهتمين بالأدب بشتى فنونه، وساحة واسعة للإعلان عن الإبداعات الأدبية والثقافية، فيترقب الكُتّاب قُدومه ليبوحوا عن نبض كلماتهم، وتتسابق دور النشر في عرض جديد الروائع التي نُسجت على الورق؛ لتحضى بأكبر عدد من القراء والمرتادين الذين يُشعلون فتيل التنافس بين الدُور الثقافية. وترافقك الدهشة من أساليب التسويق التي تتنوع من ركن لآخر، بعضهم يرحب بك ويحتفي وكأنك زائر لبيته، والآخر يجعلك تقف دون شعور أمامه لروعة العرض والتنظيم، والآخر تمر عليه مرور الكلام وكأنه خارج نطاق الوجود.
إن المحافل الثقافية عنصر حيوي في نماء الدول اجتماعيًا واقتصاديًا، وعنصر من عناصر جودة الحياة التي تلطف الأوقات، وتزهر بها اللحظات، وما نراه اليوم من تطور وارتقاء ثقافي هو جزء عميق من بناء رؤية مملكتنا الحبيبة ٢٠٣٠، وهو وفاء بالوعد الذي سجلته على سطور رؤيتها “سندعم الموهوبين من الكُتّاب والمؤلفين والمُخرجين، ونعمل على إىجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافة”. فلتدم سحائب الثقافة تروي أرواح مُتعطشيها.. وليستمر النماء.






