المقالات

الشعر الشعبي.. والعملة الزائفة!!

الشعر الشعبيُّ لا يستهويني..!!، وتأكيدًا على ذلك؛ فإنَّني -أيضًا- لا أحسبُ هذا الشعر إلَّا في ذيل القائمة الشعريَّة، إنْ كان له وجود تأريخي، يجرُّه إلى أنواع الشعر الحقيقيِّ..!! إلَّا أنَّني، -في أضيق الحدود- أميلُ إلى سماعه. وإذا قلت (السَّماع)؛ فإنَّني أعني ذلك تمامًا.. فأغلب ما يجود به بعض الشُّعراء الشعبيِّين لا يصلح للقراءة المجرَّدة، ولا يصلح -أيضًا- للتدوين المكتوب، كما هو الحال في الشِّعر الفصيح.
كيف هذا؟!
لأنَّ الشعر العربيَّ الفصيح، شعرٌ يقوم على خاصيَّة نصيَّة، ورُؤية إستراتيجيَّة للقراءة، أمَّا ما نسمعه، أو نقرأه من شعر شعبيٍّ، فهو يفتقد تمامًا لهذه الخاصيَّة؛ نظرًا لقلَّة إبداع مَن يتعاطونَ مع هذا النوع من الشِّعر؛ بل ندرتهم.
إنَّ أغلب ما يقولُ به هؤلاء الشُّعراء لا يكاد يخرج عن ثيمتين؛ هما التكرار والاجترار، مع ما يصحبهما (ضعف باين) في توليد المعاني، وقلَّة واضحة في بينة الصور المبدعة، والأفكار المبتكرة، مع (ضعفٍ) آخرَ مكشوفٍ يعود إلى الفقر الشديد في الأداة الشعريَّة.
أقول ذلك؛ وأزيد عليه: إنَّ الشعر الشعبيَّ، في أغلبه، لم يخرج، ولا يريد أنْ يخرج من دائرة واحدة تقريبًا، هي دائرة المدح، والتزلُّف، واستجداء الممدوح، وقليلًا، أو نادرًا ما يخرج أصحاب هذا الشعر من هذه الدائرة السَّخيفة والمملَّة..!!
إنَّ باحة الشعر أوسع بكثير ممَّا يحاول البعض التمسُّك به، وراء دوافع كثيرة، وغابات ممجوجة.. فأين الشِّعر الشعبيُّ عن الغزل بأنواعه؟، وأين هو عن شعر الحكمة، والهجاء، والرثاء، والوصف؟!
أين هم من كل ذلك؟ وأين هم عن الصورة الشعريَّة، والرُّؤية الفكريَّة.. فأغلب ما نسمعه في المجالس الخاصَّة، أو (العرضات)، أقوال مكرورة تُبنَى لغاية معروفة، ومنحى مألوف، وإنْ تبدَّت في صورة شعر، يستهوي آذان مَن يطلبه.
إنَّ الحقيقة التي ينبغي أنْ نستحضرها في أخلادنا، هي، أنَّ الشعر الرفيع لم يخلُ قط من جميع تلك الأغراض، فالشَّاهد نراه في شعراء الأمم العالميِّين، كما نجده في أدنى شعراء الفصيح.. نجده عن الطبقة الأوفى في شعر شكسبير، وجيتي، والخيام، والمتنبي، وأبي نواس، وأبي تمام، والبحتري، وشوقي، والثبيتي، والفقي، وغيرهم الكثير، كما نجده في أدنى طبقات الشُّعراء الفصيح -أيضًا-= شعراء الرجز -مثلًا-.
فإذا كان الشعراءُ الشعبيُّون لا يملكُون الأداة الشعريَّة، ولا يملكُونَ القدرة على القول في تلك الأغراض الشعريَّة المعروفة؛ فليعلنُوا أنَّ مَوْطنَ قولِهم لا يخرج عن باب واحد، وهو باب المدح، أو المديح، لا فرق بينهما، إلَّا كالفرق ما بين العملة الزَّائفة، والعملة الأصيلة.. وشتَّان ما بينهما!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى