المقالات

ماذا لو توقفت السوشيال ميديا؟

ماذا لو استيقظنا ذات صباح، ومددنا أيدينا إلى هواتفنا كما نفعل كل يوم، فوجدناها بلا إشعارات، ولا منشورات، ولا تغريدات عابرة، ولا “ستوريات” تحكي أكاذيب السعادة المصطنعة، ولا تغريدات تُغرّد خارج سرب المنطق؟
وماذا لو استيقظنا على صباحٍ هادئ، ووجدنا شاشات هواتفنا قد خلت من زرقة “فيسبوك”، ووميض “إنستغرام”، وصخب “تويتر” الذي لا يهدأ؟! وماذا لو وجدنا “فيسبوك” قد انتحر، و“تويتر(x)” أصيب بالخرس الأبدي، و“إنستغرام” أعلن الحداد على صوره الزائلة؟

يا له من مشهدٍ يستحق التأمل! ويا له من خيالٍ سيكشف لنا مدى اهتزاز كوكب الأرض، لا لزلزالٍ أو بركان، بل لانسحاب ملايين الأصابع من شاشاتها!
تُطلق ملايين البشر صرخات الانفصال الرقمي من نوافذ بيوتهم كما كانت تُطلق تكبيرات العيد، لكن بنغمة الخوف لا الفرح، فيعمّ الذعر.

أصابع الشباب والشابات التي اعتادت التزلج على الشاشات ترتجف، وهم يرددون في دواخلهم: كيف سأخبر العالم أنني تناولت قهوة “لاتيه” بزبدة الفستق الممزوج بحليب الماعز الجبلي؟! بينما يتأمل شابٌّ آخر صورته “السيلفي” مع غرابه الأسود، التي لم يعد بإمكانه نشرها، فيشعر أن وجوده بات مهددًا بالزوال، وأن هاتفه المزود بثلاث كاميرات أصبح هيكلًا عظميًا لا حراك به.

وسترتعد فرائص أولئك الذين أُطلق عليهم لقب “المشاهير” و“المؤثرين”، الذين بنوا إمبراطورياتٍ من فتات الإعجابات، فتراهم يتساقطون كالفراش في فخ النور بعد أن فقدوا شهرتهم الزائفة.

أما المدهش حقًّا، فهو أن الوقت سيعود إلينا بعد طول فراق، وسنكتشف أننا كنا نهدر أعمارنا في تصفّح حياة الآخرين، بينما كانت حياتنا تنتظر أن نعيشها.
ستعود للكتب هيبتها، وللعقول حكمتها، وللعيون بريقها الطبيعي الذي لم تمسخه إضاءة الشاشة، وسيعود للشعرة البيضاء وقارها، وسنجد أنفسنا أمام مرآة الواقع الخشن، لا مرآة التطبيقات المصفّاة بالفلاتر الساحرة.

سيختفي مشاهير “الفلس”، وكأنهم لم يكونوا، وتتلاشى نصائحهم الرنانة في فنّ العيش بترفٍ وسط فراغٍ عاطفي يعيشونه.
وسنكتشف أننا كنا نعيش في سجنٍ رقمي بجدرانٍ من “لايكات” وسقفٍ من “شير”، وأن الطبيعة ليست مجرد خلفيةٍ لصورة، والصداقة ليست قائمة متابعين، وأن الوقت أثمن من أن يُهدر في حفنة إعجابات.

وخزة قلم

الحياة لا تُقاس بعدد المتابعين، ولا بعدد من يُصفّق لك، بل بعدد من يفتقدك إن غبت!.

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى