في الثمانينيات الهجرية، تم تعيين مدرس رياضيات اسمه جمال من الشقيقة مصر في إحدى قرى بارق بمنطقة عسير. وكان أهل القرى يشتهرون بالكرم والأخلاق الرفيعة، والقيم الطيبة، واحترام الغرباء، والتعاطف معهم لتخفيف غربتهم ووقع بُعدهم عن أسرهم وأهاليهم.
كان الأستاذ جمال خلوقًا، وله لحية، ومظهره يوحي بأنه رجل ملتزم. وكانت أعداد سكان القرى في تلك الفترة قليلة في الغالب، فإذا ذبحوا ذبيحة دعوا إليها كبار القرية. وفي يومٍ من الأيام دعوا الأستاذ جمال ليشاركهم العشاء، وكانوا يجتمعون قُبيل المغرب، وبعد صلاة المغرب يتناولون طعام العشاء.
اجتمع القوم، ورُفع أذان المغرب، فقدموا الأستاذ جمال ليصلي بهم، وتحت إلحاحهم تقدّم ليؤمهم، فكان صوته وتلاوته رائعتين، فطلبوا منه أن يصلي بهم في المسجد، وأن يعطوه من محاصيلهم الزراعية ومنتجاتهم الحيوانية مثل اللبن والسمن والعسل وبيض الدجاج.
استمر الأستاذ جمال يؤمّ أهل القرية لمدة سنتين دراسيتين، بعدها غادر إلى مصر، وأعطاهم عنوانه هناك وطلب ممن يأتي منهم أن يزوره.
وبعد فترة، ذهب اثنان من أهل القرية إلى هناك محاولين زيارته وإجابة دعوته. قرعوا الباب عدة مرات ولم يُفتح، وعلى وقع القرع خرج جاره، فقالوا له: نحن نبحث عن الشيخ جمال.
فقال متعجبًا: شيخ إيه؟
قالوا: الشيخ جمال.
قال: يا ابني، هذا نصراني!
قالوا: كان هذا إمامنا لمدة سنتين!
فقال الجار، ويبدو أنه كان أزهريًا:
“لا تثريب، صلاتكم جائزة، وربنا يهدي من يشاء، لعله ذاق حلاوة الإيمان معكم، ولعله – إن شاء الله – أسلم، ويصلي بكم في الجامع.”
والله أعلم




