في قلب المشهد الإعجازي لإدارة الحشود في الحرم المكي، حيث يلتقي ملايين البشر في مساحة محدودة زماناً ومكاناً، يقف رجال الأمن حماةً لهذا المشهد المهيب. إنهم ليسوا حراساً للنظام فحسب، بل “مهندسون للتدفق البشري”، يخططون ببراعة لتحويل تيارات البشر المتدفقة إلى مسارات آمنة وسلسة، تضمن للجميع أداء نسكهم في طمأنينة.
براعة في التنظيم وصبر في المواجهة
يقوم عمل رجال الأمن على “إستراتيجيات ديناميكية” ترصد اللحظة وتستشرف المستقبل. فهم يُديرون عمليات التفويج بناءً على نماذج رياضية معقدة تحسب الطاقة الاستيعابية لكل ركن من أركان الحرم، ويتحركون بخطط مرنة تستجيب للذروات البشرية لحظة بلحظة. هذا العمل المحكم هو سِر التفوق والإتقان الذي يمنع الكوارث ويحول دون تدافع الجميع في وقت واحد والذي أبهر كثير من الدول المتقدمة في إدارة الحشود البشرية.
لكن هذه البراعة التنظيمية تصطدم يومياً بواقع من “العشوائية المقصودة” من قبل فئة قليلة لكن تأثيرها كبير. فبينما تتعاون الغالبية العظمى من الضيوف بتقدير واحترام، نرى آخرين يستهترون بتعليمات الأمن ويعتبرونها مجرد إرشادات اختيارية. نرى من يصر على افتراش الممرات التي هي شرايين الحركة، ومن يتوقف في مسارات الطواف والسعي المفاجئة معرضاً نفسه والآخرين للخطر، ونرى من يرفض الانتقال من منطقة إلى أخرى رغم استكمالها، وكأن التعليمات لا تعنيه.
منهج الاستفزاز بسلاح التصوير نية مُبيتة للتشويه
الأمر ليس مجرد تصرفات فردية عابرة، بل تحوّل إلى منهج مدروس لدى بعض القادمين؛ حيث يتعمدون استفزاز رجال الأمن بالجدال والعصيان والتحدي والمقاومة، بينما تكون كاميرات الهواتف جاهزة لالتقاط ردة الفعل فقط وليس الفعل المُستفِزّ. إنها مكيدة تُدار بعناية، يُحوّل فيها رجل الأمن إلى مُتَّهَم، والمخالف إلى ضحية، في سيناريو مأساوي يشوه قدسية المكان وكرامة الخدمة.”
وهذا السلوك لا يبدأ ولا ينتهي عند الحرم، بل هو امتداد لسلسلة من المخالفات المستمرة التي نراها بوضوح في مخاطرة غير محسوبة تهدد أمن الحجاج والمعتمرين جميعاً.
رجال الأمن: بين ثقل المسؤولية وسموم التشويه
في خضم التدفق البشري المستمر، يظل رجل الأمن “حارس القيم والسلامة”. إنه يتحمل الإرهاق الجسدي والنفسي، ويتعامل مع عشرات الجنسيات بلهجاتها وثقافاتها المتباينة، ويظل مبتسماً متحضراً في غالبية المواقف. إنهم يتحلون بصبر لا محدود، لأنهم يدركون أنهم “خدّام بيت الله” قبل أن يكونوا رجال أمن وبشهادات وثقتها عدسات التاريخ.
علينا كمجتمع أفراداً وإعلاماً بعدم الخضوع لرواية الأقلية التي ترفض التنظيم. فدورنا هو تقدير رجل الامن ذلك الحصن المنيع، ودحض محاولات التشويه الممنهجة.
يجب أن نُربي أنفسنا على أن “احترام النظام في الحرم جزء من احترام قدسيته”، وأن التعاون مع رجال الأمن ليس خضوعاً بل هو تعاون على البر والتقوى.
ختاماً، تبقى الحقيقة الساطعة: “فوضى القلة لا تُطمس براعة الكثيرة”. فجهود رجال الأمن تظل صمام الأمان الذي يحفظ لهذا المكان قدسيته، ولضيوفه أمنهم. ومن أراد زيارة هذا البيت الطاهر، فليأتِ بقلب خاشع وروح تحترم النظام، فهذا هو الأدب الحقيقي مع الله .





