بينما كان الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي، وزير هارون الرشيد وحامل ختم السلطة، وأحد كبار وزراء الدولة العباسية، في مجلسه محاطًا بالوزراء والحاشية، أعطى مائة ألف درهم لأعرابي قال أبيات شعر في مدحه. فلما وصل المال إلى الأعرابي، حسده أحد وزراء الفضل بن يحيى، فقال الوزير للفضل:
«يا مولاي، هذا إسراف لمن لا يستحق! يأتيك جلف من أجلاف العرب بأبيات استرقّها من أشعار العرب، فتجزيه بهذا المال الكبير!»
ثم قال: «أقسمت عليك يا مولاي إلا أخذت سهمًا من كنانتك، وركبته في كبد قوسك، وأومأت به إلى الأعرابي؛ فإن ردّ عن نفسه ببيت من الشعر، وإلا استعدت مالك، ويكون له من بعضه كفاية».
فأخذ الفضل بن يحيى البرمكي بكلام وزيره الحاسد، وأخذ سهمًا وركبه في كبد قوسه وأومأ به إلى الأعرابي، وقال له: «رُدَّ سهمي ببيت من الشعر».
فأنشأ الأعرابي يقول:
لقوسِك قوسُ الجودِ والوترُ النَّدى
وسهمُك سهمُ العزِّ فارمِ به فقري
يُقال: فضحك الفضل بن يحيى، وأنشأ يقول:
أروني بخيلاً نال مجدًا ببُخله
وهاتوا كريمًا مات من كثرة البذل
ثم قال الفضل لوزيره الحاسد: «أعطِ الأعرابي مائة ألف درهم، وزِده مائة ألف درهم أخرى».
فقال الأعرابي بيتين يُكتبان بماء الذهب:
ألم نرَ أنَّ الجودَ من عهدِ آدمٍ
تحدَّر حتى صار يملِكُه الفضلُ
ولو أنَّ أمًّا مسَّها جوعُ طفلِها
غذَّتْه باسمِ الفضلِ لاغتذى الطفلُ
وبعدها أخذ الأعرابي المال وانصرف وهو يبكي.
فقال له الفضل بن يحيى: «مِمَّ بكاؤك يا أعرابي؟ أهو استِقلالٌ بالمال الذي أعطيناك أم ماذا؟»
فرد الأعرابي قائلًا: «لا يا مولاي، ولكنّي أبكي على مثلك يأكله التراب وتواريه الأرض». ثم تذكّر قول الشاعر:
لعمرك ما الرزيةُ فقدُ مالٍ
ولا فرسٍ يموتُ ولا بعيرِ
ولكن الرزيةَ فقدُ حُرٍّ
يموتُ لموتِه خَلْقٌ كثيرُ



