يُعد الادخار والاستثمار من الأساسيات التي تقوم عليها أي منظومة اقتصادية ناجحة، حيث يشكل كل منهما عنصرًا حيويًا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. فالادخار يمثل جزءًا من الدخل الذي يتم الاحتفاظ به وعدم إنفاقه فورًا، في حين أن الاستثمار يشير إلى توظيف هذا الادخار في مشاريع أو أصول تهدف إلى تحقيق عوائد مستقبلية.
تتسم العلاقة بين الاقتصاد الادخاري والاقتصاد الاستثماري بأنها علاقة تكاملية لا يمكن فصلها عن بعضها، إذ يعتمد الاستثمار بشكل رئيسي على مستوى الادخار المتاح في الاقتصاد، بينما يسهم الاستثمار في تعزيز الدخل القومي وزيادة فرص الادخار في المستقبل.
وبالرجوع إلى الاحصائيات الاقتصادية نجد بأن معدل الادخار في المملكة بلغ 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وفقًا لبيانات البنك الدولي، مما يعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي في توليد ادخار داخلي مستدام. وأظهرت الميزانية العامة لعام 2026، التي أقرها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – يوم الثلاثاء الماضي في جلسة مجلس الوزراء ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الودائع الزمنية والادخارية من 68.3% في عام 2016 إلى 92.5% في عام 2025. هذا النمو يعكس قدرة الاقتصاد على توفير موارد تمويلية للمشاريع التنموية، ويمنح الاقتصاد السعودي قوة ومرونة عالية تمكنه من امتصاص الصدمات الاقتصادية العالمية والتكيف معها بكفاءة وفاعلية.
كما أن المملكة استثمرت حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 في مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، مما أسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنويع الاقتصادي الذي تسعى إليه رؤية المملكة 2030. ونؤكد في مقالنا هذا بأن العلاقة بين الادخار والاستثمار هي علاقة تبادلية ومتكاملة، حيث تتوفر المزيد من الأموال التي يمكن توظيفها في مشاريع استثمارية عند زيادة الادخار، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والدخل القومي. هذه الزيادة في الدخل بدورها تعزز من قدرة الأفراد والمنظمات على الادخار مرة أخرى، وهكذا تستمر الدورة الاقتصادية في التوسع.
وفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2023، فإن زيادة معدل الادخار بنسبة 1% في الدول النامية يمكن أن يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 0.5% على المدى الطويل. ومع ذلك، يجب مراعاة أن الادخار الزائد دون استثمار فعال قد يؤدي إلى ركود اقتصادي بسبب نقص الطلب الكلي، في حين أن الاستثمار غير المدعوم بادخار كافٍ قد يؤدي إلى زيادة الدين العام ومخاطر مالية.
يمكن النظر إلى سنغافورة كمثال ناجح على الاقتصاد الادخاري والاستثماري، حيث بلغ معدل الادخار حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، واستثمرت الحكومة السنغافورية بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية والتعليم والابتكار، مما ساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
لتعزيز التكامل بين الاقتصاد الادخاري والاقتصاد الاستثماري، ينبغي على صناع السياسات الاقتصادية العمل على تعزيز ثقافة الادخار من خلال التثقيف المالي والتوعية بأهمية الادخار، وتشجيع الاستثمارات الفعالة من خلال توفير بيئة استثمارية جاذبة وتقديم الحوافز الاستثمارية. كما يجب وضع آليات تضمن التوازن بين الادخار والاستثمار لتفادي الآثار السلبية الناتجة عن أي خلل في هذه العلاقة، وتعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الموارد المالية لضمان استخدامها في المشاريع الاستثمارية الفعالة.
الاقتصاد الادخاري والاقتصاد الاستثماري ليسا مفهومان مستقلان أو منفصلان، بل هما جانبان مترابطان لعملة واحدة تشكل الأساس الذي تقوم عليه عملية التنمية الاقتصادية المستدامة. فالادخار يمثل تجميع الموارد المالية من قبل الأفراد والمنظمات، وهو الخطوة الأولى التي توفر الأساس المالي الضروري لتمويل الاستثمارات المستقبلية. أما الاستثمار فهو عملية توجيه هذه الموارد المالية نحو مشاريع ومنشآت اقتصادية تهدف إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي.
التكامل بين الادخار والاستثمار يخلق بيئة اقتصادية متوازنة ومستقرة، حيث يساهم الادخار في توفير السيولة المالية التي يحتاجها الاقتصاد، بينما يوجه الاستثمار هذه السيولة نحو الاستخدام الأمثل بما يعزز من قدرات الإنتاج ويخلق فرص عمل جديدة. هذا التكامل لا يقتصر فقط على دعم النمو الاقتصادي، إنما يؤدي دوراً محورياً في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية والصدمات الخارجية، مثل التقلبات في الأسواق العالمية أو الأزمات المالية.
زيادة معدلات الادخار تسمح بتمويل مشاريع تنموية ضخمة، في حين أن الاستثمار الفعال يضمن تحويل هذه الموارد إلى منتجات وخدمات تلبي احتياجات المجتمع وتدعم استمرارية النمو الاقتصادي. وبهذا المنوال، يتحول الاقتصاد إلى كيان أكثر مرونة وقوة، قادر على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، مما يساهم في تحقيق استقرار مالي واقتصادي مستدام على المدى الطويل ومن منظور استراتيجي.



