المقالات

نصنع أم نُصنع: من يملك زمام المبادرة ؟

في عالم نعيشه اليوم، يتسم بالتغيرات المتسارعة والتحديات المتعددة، نطرح سؤالاً جوهرياً في مقالنا هذا، يلامس جوهر قدرتنا على التأثير والتحكم في مجريات حياتنا ومجتمعاتنا: هل نحن من نصنع واقعنا بأيدينا، أم أننا مجرد نتأثر بالظروف والعوامل الخارجية التي تحيط بنا؟ هذا السؤال ليس مجرد تساؤل فلسفي، بل هو دعوة للتفكير العميق في دور الفرد والجماعة في تشكيل مصيرهم، وفي مدى قدرتهم على المبادرة واتخاذ القرارات التي تحدد مسار حياتهم. إن التمييز بين أن نصنع وبين أن نُصنع يعكس الفارق بين الفاعلية والجمود، بين السيطرة والانعكاس، بين الإبداع والاستسلام. لهذا السبب، فإن فهم هذا الفرق واستكشاف أبعاده يعد خطوة أساسية نحو بناء وعي ذاتي ومجتمعي قادر على مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة.

عندما نتحدث عن “نصنع”، فإننا نشير إلى فعل المبادرة والخلق، حيث يكون الإنسان فاعلًا رئيسيًا في تشكيل واقعه. هذا الفعل يتطلب وعيًا، إرادة، وخطة واضحة، ويعبر عن قدرة الفرد أو المجتمع على اتخاذ خطوات مدروسة تؤدي إلى تحقيق تغيير إيجابي. في المقابل، “نُصنع” يعني أن نكون محط تأثير قوى خارجية، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية، أو ثقافية، تجعلنا نتبع مسارات محددة مسبقًا دون أن نملك القدرة على التحكم الكامل في مجريات الأمور. هذه الحالة قد تؤدي إلى شعور بالعجز أو التبعية، حيث يصبح الإنسان مجرد متلقي للأحداث بدلاً من صانع لها. ومن هنا ينبع التحدي الحقيقي: كيف يمكننا الانتقال من حالة “نُصنع” إلى حالة “نصنع”؟ يتطلب هذا التحول بناء قدرات فردية وجماعية، تعزيز الوعي، وتبني مواقف نشطة تجاه الحياة والواقع. كما يتطلب الأمر فهمًا عميقًا للعوامل التي تحد من حريتنا وتأثيرنا، والعمل على تجاوزها من خلال التعليم، الحوار، والمشاركة الفعالة في صنع القرار.

في نهاية هذا المسار الحيوي، يبقى السؤال مفتوحًا أمام كل فرد وجماعة: هل نختار أن نصنع أم نُصنع؟ الإجابة ليست فقط انعكاسًا لحالة الحاضر، بل هي أيضًا إعلان عن الإرادة والرغبة في التحكم بالمستقبل. إن الوعي بهذا التمييز هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة تحديات العصر وتحقيق التنمية المستدامة. لذلك، يجب علينا أن نعمل جميعًا على تعزيز ثقافة المبادرة والابتكار، وأن نرفض أن نكون مجرد أدوات في يد الظروف، بل نصبح صناعًا حقيقيين لمصيرنا. بهذا الفهم، يمكننا أن نخطو بثقة وبصورة مثلى نحو مستقبل نختاره ونصنعه بأيدينا، مستقبل يحمل في طياته الأمل والتغيير الحقيقي.

في زمننا هذا، لم يعد كافياً أن نكتفي بالسعي فقط، بل يجب أن يكون سَعْيُنا مثالياً متكاملاً، نُكرره ونُؤكده دوماً (بصورة مثلى)، مع التوكل الصادق على الله تعالى، فهو معيننا وناصرنا في كل خطوة.

د. علي محمد الحازمي

خبير وباحث اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى