المقالات

الوقف العلمي وجودة العملية التعليمية

كان السبقُ للعالم العربي والإسلامي في الاستفادة من نظام الوقف على التعليم منذ قرونٍ مضت، إلا أن ذلك لم يستمر طويلًا، في الوقت الذي قامت فيه الدول الغربية باستثمار وتنمية أوقافها في تطوير العملية التعليمية لديها، لدرجة أن جامعاتها ومؤسساتها التعليمية أصبحت تعتمد اعتمادًا كليًا في تمويل وتطوير نظامها التعليمي على ريع أوقافها بوصفها موارد مالية ذاتية، إلى جانب بقية مواردها المالية الذاتية الأخرى، المتمثلة في تسويق منتجاتها البحثية، وبيوت الخبرة، والشراكات، ومنتجات أودية التقنية، والكراسي العلمية، وخدمة المجتمع.

ومن أبرز نماذج الجامعات الوقفية في العالم الجامعاتُ الأمريكية، مثل جامعة هارفرد، وجامعة ييل، وجامعة ستانفورد، وجامعة برنستون، إضافة إلى جامعات أكسفورد، وكامبردج، وويلز البريطانية العريقة، وغيرها من الجامعات الأوروبية.

تمتلك الجامعات الغربية أوقافًا ضخمة تُقدَّر بمليارات الدولارات، وتعتمد على التبرعات الهائلة من الشركات الكبرى، والعوائل، والأفراد. بينما في العالم العربي تظهر جامعات مثل جامعة الأزهر في مصر، وجامعة القرويين في المغرب، التي تُعد من أوائل الجامعات الوقفية في العالم، وقد تأسست بالكامل من التبرعات، وكذلك جامعة الزيتونة التونسية، وهي صرح تعليمي عريق وتُعتبر من أقدم الجامعات في العالم، إذ تأسست دروسها حوالي عام 737م، كنماذج تاريخية. وفي المملكة العربية السعودية، هناك جامعة الملك سعود كنموذج عربي حديث في تنمية أوقافها العلمية، مع وجود بعض النماذج في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية.

فجامعة هارفرد الأمريكية، على سبيل المثال، تمتلك أكبر حجم أوقاف في العالم، يصل إلى نحو 37 مليار دولار، وقد تحولت إلى جامعة تعتمد على أوقافها منذ عام 1870م، وحاليًا فاق عدد أوقافها أحد عشر وقفًا علميًا في وقتنا الحاضر.

ومن وجهة نظر المحاضر في جامعة ستانفورد الأمريكية، «جون ألفرد»، فإن امتلاك المؤسسة التعليمية أوقافًا خاصة بها يُمكّنها من توفير أجورٍ أوفر للمعلمين، لتحفيزهم على الإبداع والابتكار في مهمتهم البحثية والأكاديمية بشكل أفضل، وكذلك دعم الطلبة في بعض الحالات بتقليل المصروفات عليهم، إضافةً إلى توجيه مزيد من الأموال للبحث العلمي، والتكنولوجيا، وصيانة المباني، وتأهيل المعامل والمختبرات البحثية بأحدث الأجهزة والمعدات، لتحسين جودة المستوى الأكاديمي والبحثي المقدَّم للطلاب — والكلام لا يزال للمحاضر ألفرد.

وبشكل عام، نجد أن حجم أوقاف الجامعات العربية والإسلامية في أيامنا هذه قد تقلّص كثيرًا عمّا كان عليه في السابق، ولم يعد له ذلك الدور المؤثر في تنمية العلم والتعليم وطلابه كما كان عليه الأمر من قبل، وأصبحت الجامعات التي تعتمد على الوقف العلمي في حدّه الأدنى، مقارنة بما كان عليه الوضع سابقًا

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى