
مكة الإلكترونية – منى
[JUSTIFY]وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – كلمة إلى حجاج بيت الله الحرام لموسم حج هذا العام 1433هـ فيما يلي نصها :بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ لله القائل في محكم كتابه: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلعَالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ) [آل عمران: 96-97]
والصَّلاة والسَّلام على خاتَم الأنبياء والمرسلين، مَنْ بعثه الله رحمة للعالمين، نبيِّنا محمد القائل: “مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”.
أيّها الإخوة والأخوات حجّاج بيت الله الحرام
أيّها الإخوة والأخوات أبناء أمّتنا الإسلاميّة في كلّ مكان
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مِنَ المشاعرِ المقدَّسةِ.. مِنْ مَشْعَرِ مِنًى الطَّاهِرِ، وإلى جِوَارِ صَعِيدِ عرفات الطَّيِّبِ، ومِنْ هذه السَّاحاتِ التي تَضُوعُ تَلْبِيَةً وتكبيرًا وتهليلًا، ومِنْ جِوَارِ البيتِ العتيقِ، حيثُ الطَّائفونَ والقائمونَ والرُّكَّعُ السُّجُود.. مِنْ هذه الأرضِ التي تتنَادَى جبالُهَا وشِعَابُها مع أصواتِ الحجيجِ، مملوءةً بالإيمانِ.. أُهَنِّئُكم وأُهَنِّئ الأمَّةَ الإسلاميَّةَ جَمْعَاءَ بِعِيدِ الأضحَى المبارَك، داعيًا اللهَ – تبارَك وتعالَى – أن يَتَقَبَّلَ حَجَّ مَنْ قَصَدَ بيتَهُ المحرَّمَ، وأن يغفرَ لهم ما تَقَدَّم مِنْ ذنوبهم وما تأخَّرَ، وأن يُعِيدَهُمْ إلى بلادهم، سالمينَ غانِمِينَ، بَعْدَ أنْ أكرمَهُمْ بأداءِ الرُّكْنِ الخامسِ مِنْ أركانِ الإسلامِ، وأنْعَمَ عليهمْ بِشَرَفِ الوقوفِ في هذه الأماكنِ الطَّاهرَةِ، مستمسكينَ بهدْيِ كتابِهِ الكريمِ، وسُنَّةِ نبيِّهِ المصطفَى – صلَّى الله عليه وسلَّم -.
أيّها الإخوة والأخوات
إنَّ الحجَّ إلى البيتِ الحرامِ، وتَأَمُّلَ حَرَكةِ الحجيجِ في غُدُوِّهِمْ ورَوَاحِهِمْ، لَيَبْعَثان في النَّفْسِ والعقْلِ مساحةً واسعةً لِتَدَبُّرِ طَرَفٍ مِنْ مقاصِدِ هذه الشَّعيرةِ ومعانيها. ففي هذه الأرضِ المبارَكَةِ، حيثُ لَبَّى الحجيجُ، وهَلَّلُوا وكَبَّرُوا، تَجَلَّتْ معاني التَّوحيدِ، وكأنَّ اللهَ – تَبَارَكَ وتعالَى – ادَّخَرَ هذه البُقْعَةَ الطَّاهرةَ لتجديدِ العهدِ بهِ، قرنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وعامًا بَعْدَ عامٍ، وكلَّما حادَتِ البشَرِيَّةُ عنْ هَدْيِ ربِّها، تَجِدُ في هذه الأماكنِ الطَّاهرةِ ما يُعِيدُها إلى لَحْظَةٍ صافيَةٍ مِنَ الزَّمانِ، يَتَجَرَّدُ فيها الحاجُّ مِنْ عَرَضِ دُنْيَاهُ، ويَقِفُ في هذه الأرْضِ التي اخْتُصَّتْ لتوحيدِ اللهِ، مُسْتَجِيبًا لذلك النِّدَاءِ القُرآنِيِّ العظيمِ: ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) [الحجّ: 27]، وَسَرْعانَ ما أجابَ النِّدَاءَ، وقال:
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك
لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْك
إنَّ الحمدَ والنِّعْمةَ
لَكَ والمُلْكَ
لا شَرِيكَ لك
وحِينَ يَجِيءُ إلى هذا الثَّرَى الطَّاهِرِ، وتُشاهد عيناه الكعبةَ المشرَّفَةَ، ويَطَّوَفُ بها، ويَسْعَى، بين الصفا والمروة في البيت الحرام ، ويَصْعَدُ إلى مِنًى، ويَقِفُ في عرفات، ويُفِيضُ منهـا إلى المَشْعَرِ الحرامِ، فإنَّه يُعَاهِدُ اللهَ – تبارك وتعالى – على توحيده والإخلاص له، وقدْ غادرَ الأهلَ والمالَ والوطنَ، وبارَحَ دُنْياهُ، وما اعتادَهُ مِنْ ألوانِ المَعَاشِ، في مَشْهَدٍ إيمانيٍّ لا يُشْبهه مَشْهَدٌ، يُلِحُّ في الدُّعَاءِ، ولا تَنْبسُ شَفَتَاهُ إلَّا بكلمةِ التَّوحيدِ، مُخْلِصًا النِّيَّةَ له – تَعَالَى – ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ ) [الأنعام: 162- 163].
الإخوة والأخوات
إنَّ المملكة العربيَّة السّعوديّة إذ شرفها الله -تبارك وتعالى- بخدمة الحرمين الشَّريفين، وخدمة مَنْ قَصَد هذه الأرض الطَّيِّبة من الحُجَّاج والعُمَّار والزُّوَّار، تَسْتَشْعِر في ذلك جلال المسؤوليَّة، وعِظَم الأمانة الملقاة على عاتقها، وشَرَف الرِّسالة، وتعمل كل ما في وسعها في سبيل ذلك مُحتسبة الأجر والثواب عند الله – سبحانه وتعالى – ونحن ماضون في ذلك، لا يَصْرِفنا عنْ شَرَف خدمة ضيوف الرَّحمن صارِف، نستمِدّ العون مِنَ الباري تعالَى، جاعلين خدمة الحاجّ وأمنه أَجَلَّ مسؤولياتنا، حتَّى يَرْجِعُوا – مَشْمُولِينَ برعاية الله – إلى أهلهم بحجّ مبرور، وذنب مغفور، وقدْ نَعِمُوا بالأمن والرَّاحة والطّمأنينة.
وإنَّ في الحجّ ألوانًا من التَّعاطُف والتَّراحُم تَفِيضُ بها هذه الأرضُ على قاصديها، وحيثما أَدَرْتَ بَصَرَكَ فَثَمَّ نَسِيجٌ مِنَ الوحدةِ، لا يُفَرِّق بين لسانٍ ولسانٍ، ولا لونٍ ولونٍ، ولا عِرْقٍ وعِرْقٍ، يحنو القويُّ على الضَّعيف، ويَحْدِب الغنيّ على الفقير، وتَجُود النُّفوس بمعاني الخير، وتجتمع القلوبُ على غاية واحدة، وتلهج الألسن بنداء واحد، ويَلْتَئم شَمْل الأُمَّة الواحدة، ويتحقَّق أسمَى هدف اجتماعيّ سعى إليه الإسلام، وهو “التَّعارُف” امتثالًا لقول الله – تبارك وتعالى – : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحُجُرات: 13].
أيّها الإخوة والأخوات
إننا في أشد الحاجة إلى تضامنٍ حقيقي يحفظ وحدة الأمة ويحميها من التجزئة والانقسام ويصون الدماء التي حرمها الله ، وهي رسالة الحجّ الذي يدعو إلى اجتماع الكلمة، ولَمّ الشَّمْل، ونَبْذ الفُرْقة والتَّشرذم، وإنَّنا لندعو الباري – عزَّ وجَلَّ – أن يأخذ بأيدي قادة الدّول الإسلاميَّة إلى ما فيه صلاح أوطاننا ومجتمعاتنا، كما نُهِيبُ بولاة أمر المسلمين أن يتَّقوا الله في أوطانهم وشعوبهم، وأن يَسْتَشْعِروا ثِقَل المسؤوليَّة الملقاة على عواتقهم، فنحن مسؤولون أمام الله تجاه شعوبنا وأُمَّتنا، فلا نهضةَ ولا تَقَدُّمَ إلَّا بالرَّخاء والأمن.
واليوم نحن أمة الإسلام بأمس الحاجة إلى الحوار مع الآخر وإلى حوار أمتنا مع نفسها ، لنبذ دواعي الفرقة والجهل والغلو والظلم التي تُشكل تبعات تُهدد آمال المسلمين . ومن هذا المنطلق دعت المملكة العربية السعودية ولا زالت تدعو إلى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وهي ماضية في ذلك بإذن الله سعياً لما فيه خير الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء.
أيّها الإخوة والأخوات
أدعو اللهَ – تبارك وتعالى – أن يتقبَّل صالح أعمالكم، وأن يجعل حجَّكم مبرورًا، وسعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وأن يُعِيدكم إلى أهليكم وأوطانكم سالمين غانمين.
وأُجَدِّد التَّهنئة بعيد الأضحى المبارك، كما أدعوه، سبحانه، أن يُعيده علينا، وأُمَّتُنا وأوطانُنا تنعم بالرَّخاء والأمن والاستقرار.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .